حين نعيد اليوم قراءة مقالات غرامشي القصيرة، التي كُتبت في لحظةٍ هائجة بين سنتي 1916 و1918، لا نعود إليها بوصفها آثارًا لنضالٍ ماضٍ، بل بوصفها محاولاتٍ شاقّة للتفكير داخل الزمن، لفهم الكيفية التي يُصنَع بها الواقعُ، ويُعاد إنتاجه يومياً، ولطرح سؤالٍ خطير: لماذا نرضى بهذا الواقع؟ ومن الذي حدّد القاموس، ووزّع الأدوار، وقرّر من يتكلّم باسمِ من؟ في هذا الكتاب لا نصاحبُ غرامشي السّجن، بل غرامشي التكوين، غرامشي الذي لم يصمت بعدُ كي يكتب دفاترَ تأمّلاته، بل ما يزال يكتب وسط الضجيج، وسط الانكسارات، وسط شعورٍ شبه يوميّ بالفشل، ويفعل ذلك بلغةٍ لا تتعالى على اللّغة، بل تحاول أن تُمسك بالشيء في لحظة ولادتِه، أو لحظة انفجاره. وإن كان قارئ الكتاب لا يعدم أن يصيد فيه بعض التّنظيرات المفيدة، إلّا أنّ غرامشي أساساً هنا ليس بالمُنظِّرَ، بل المنقّب؛ فهو لا يبحث عن الذهب، بل عن اسمٍ جديدٍ لما يراه. اسمٍ لا يكون مهادنًا، ولا متواطئًا، ولا مكرورًا. ولهذا، فإنّ كُرهه للّامبالاة ليس نَفَسًا أخلاقيًا موتورًا فحسب، بل هو الشرط الضروريّ لقيام أيّ سياسة جدّية. ذلك أنّ ما يُعطّل السياسة، في نهاية المطاف، ليس غياب المشروع، بل غياب الحُكم، غياب القدرة على التمييز، وغياب الجرأة على تسمية الأشياء بأسمائها. محمّد آيت حنّا، مترجم وأكاديمي مغربي
Share message here, إقرأ المزيد
أكره اللامبالين