تتكرَّر في هذا الكتاب مفردة («التَّبديل» أو «كِيَاسُمُوس) (chiasmus) ، والتي هي إجراء بلاغي المراد به عَكْس مفردات الجملة عبر التقديم والتأخير كقول العرب قديمًا: «عاداتُ السَّادات، ساداتُ العادات». إذا أسقطنا ذلك على الموضوع الذي يهُمُّنا هنا نُدرك مدى «تواشُج» التَّفلسف والتصوُّف، ليس بحُكم السُّلوك والنَّظرة فقط، بل وأيضًا بحكم الشوَّاهد التَّاريخية التي أتت لتُبيّن العلاقة الوطيدة بين الحدَّين أنعتها بعبارة «وَجَدَهُ عِنْدَه)»، بأن يجد التَّفلسف نفسه في التصوُّف، ويجد التصوُّف نفسه في التَّفلسف بروابط ووشائج عمل هذا الكتاب على تبيانها على مدار الفصول الاثنا عشرة. لكن، لا يمكن تحقيق المطلوب في التَّواشج ما لم نُغيّر طبيعة العلاقة بين الفلسفة والتفلسف، من النَّظر العقلي إلى السُّلوك العملي. لأنَّ، في الواقع، ما يفصل الفلسفة عن التصوف هو جسيم، من حيث الفرق في الطَّبيعة وفي الوظيفة، بأن كانت الفلسفة دائمًا (وأبدًا) مسألة مدارس، ومذاهب، وأفكار، ومناهج، وأساليب عقلانية في النَّظر، والتَّحليل، والتَّعليل؛ بينما كان التصوُّف هو مسألة مشاهد قلبية ومساقط نورية وغيرها من العبارات التي تعجُّ بها كُتب التصوُّف، الذي يعتمد على «براديغمًا» تختلف تمامًا، وهي باراديغما الحياة الروحية التي يندُر فيها العقل ويكاد يُمحى أمام التَّجربة المعيشة الزَّاخرة بأشكال السُلوك الوجداني. لكن، إذا غيَّرنا الرؤية ومعها اللَّفظ، فإنَّ المعنى سيتغيَّر، لنتحدَّث ليس عن «الفلسفة والتصوُّف»، نقيضان يكادان لا يجتمعان، بل عن «التَّفلسف والتصوُّف»، ونرى من ثمَّة ما هذا «التَّفلسف» الذي نتحدَّث عنه، ولماذا يُحقّق مع التصوُّف هذا «التَّواشج» المنشود.
Share message here, إقرأ المزيد
التفلسف والتصوف : قصة تواشج