يزخر مجال العلاقات الدولية بتعدد النظريات المتنافسة في تقديم تفسيراتها لبنية العلاقات الدولية ومنظومتها، وكيفية صنع السياسات من جانب الفاعلين السياسيين على الساحة الدولية، الذين تختلف النظريات في شأن عددهم وأهمية ومحورية تحكُّمهم في إدارة الشؤون الدولية. وعرف حقل التنظير في العلاقات الدولية، خلال العقود الأخيرة، زخمًا متزايدًا من المقاربات النظرية، ولم تعد النظريات التقليدية، التي احتكرت حقل العلاقات الدولية طوال حقبة الحرب الباردة، الوحدات النظرية المهيمنة على هذا الحقل، بل ظهرت مقاربات أخرى مثّلت في مجملها استجابة لتوسع أجندة العلاقات الدولية من حيث الفواعل والقضايا من جهة، والتطورات التي لحقت بفلسفة العلوم الاجتماعية من جهة أخرى.
حاول الكثير من الدارسين والباحثين في مجال العلاقات الدولية تحليل الواقع الدولي وبناء نظريات انطلاقًا من معاينة متغيِّرات الأحداث على الساحة العالمية، في حين انطلق آخرون من النماذج الفكرية والتأملية في محاولة للاستقراء النظري بعيدًا من الأحداث الواقعية؛ لهذا عرفت السياسة الدولية عبر التاريخ مناقشات أكاديمية كثيرة مثّلت الأطر الفكرية العامة التي حكمت التحليل النظري للعلاقات الدولية، وأفرزت مختلف النظريات والمقاربات التي همت حقل العلاقات الدولية.
يهدف هذا الكتاب إلى إبراز الجانب العلمي لحقل العلاقات الدولية من خلال البحث عن القوانين المُنظّمة لها، أي العوامل المحددّة التي تربط بين المتغيِّرات، والقادرة على تفسير الأحداث الدولية المترابطة والمتداخلة في الوقت نفسه. يتناول هذا الكتاب أهم النظريات المؤطّرة للعلاقات الدولية في تقاطعاتها وأطرها المرجعية والفكرية، إذ لا ينفلت المسرح الدولي من تراكم الأحداث وديناميتها، لذلك يتم البحث عن شرح سلوك مختلف الفاعلين على الصعيد الاقتصادي والسياسي والثقافي. يناقش الكتاب إجمالاً مدى قُدرة نظريات العلاقات الدولية بمختلف مرجعياتها وأدواتها المنهجية، من التأسيس إلى المراجعات الشاملة، على التّفسير والتّعميم والتّنبؤ بالأحداث المتسارعة، في سياق البحث الدائم عن مرجعيات فلسفية - وأحيانًا أيديولوجية - تبرر هذه القدرة ونفعيتها على المستوى العلمي.