-
/ عربي / USD
ما تعانيه التربية عندنا من أزمة تمتدّ إلى مجتمعاتنا إنّما يتّصل بالإيديولوجيا المتحكّمة بمنظوماتنا التربويّة العربيّة، حيث تسعى السلطات الدينيّة والسياسيّة والثقافيّة إلى تقنين الفكر الإيديولوجيّ وإضفاء الشرعيّة عليه، ليغدو فكرًا مقدّسًا لا يقبل الحوار، وعلى أفراد المجتمع موالاته ولاءً لا تبصّر فيه ولا تردّد، والإيمان به إيمانًا عميقًا وقبول كلّ ما فيه.
أصبحت المؤسّسة التربويّة جهازًا إيديولوجيًّا للدولة، أو لرجال الدين، أو لعملاء الاستعمار الأجنبيّ في الداخل، يُعتمَد عليه لنقل معرفة معيّنة، وبناء مواطنة مُتخيَّلة، وشرعنة نظام ثقافيّ واقتصاديّ واجتماعيّ محدّد في زمانه ومكانه. فبدل أن تهدف المدرسة اليوم إلى الإسهام في تأمين شروط النضج الفكريّ والمهاراتيّ، فتكون بذلك مؤسّسة تربويّة بالمعنى الحقيقيّ لكلمة التربية، إذ بها تغدو مؤسّسة موجَّهة ومحكومة بأهداف مضبوطة، وبقواعد للتنظيم والتحرّك. وبالتالي، فقد أصبحت المدرسة بامتياز مجالًا للترويض الفكريّ المؤدلج، وللتطبيع الثقافيّ والسياسي والدينيّ، وأداة استعمار داخليّ.
بالمقابل، نظرت الفلسفة البراغماتيّة نظرة جديدة إلى حياة الإنسان، واعتنت بالجانب العمليّ منها، وأحدثت في عالم التّربية ثورة كوبرنيكيّة، حيث اعتبرت أنّ الطّفل هو المركز الذي يجب أن تدور التّربية المدرسيّة حوله، بكلّ ما تشمله من أهداف ومعارف ومناهج وطرائق، تهدف إلى تلبية حاجاته وميوله ورغباته وطاقاته ومواهبه وقدراته العقليّة ومهاراته الجسديّة. تبنّت هذه الفلسفة التّربويّة كلّ المدارس الأمريكيّة، وجلّ المدارس الأوروبيّة والغربيّة عامّة، وبعض المدارس في العالم العربيّ ولا سيّما مدارس مصر والعراق، أمّا بعضها الآخر فلا زال خارج إطار هذا التّبنّي.
أحاول في هذا الكتاب تبيان أهميّة الفلسفة التّربويّة البراغماتيّة على صعيد إمكانيّة أن تكون حلًّا للمشكلات التّربويّة في واقعنا العربيّ، وقيمة نتائج تطبيقها في المؤسّسات التّعليميّة، ومدى نجاعة تطبيقها، متّخذًا من لبنان أنموذجًا ومثالًا. كما أبحثُ في مدى قدرة مدارسنا على تطبيق هذه الفلسفة التّربويّة ضمن معطيات الواقع، وفي العوائق التي يمكن أن تعوق المدارس عن تطبيقها. كما يسعى الكتاب إلى تبيان كيفيّة إحداث تجديد في الفكر التربويّ العربيّ، وتغيير في المجتمع العربيّ ونتاجه الحضاريّ، بتخليص المنظومات التعليميّة من مختلف الإيديولوجيّات التي تعوق تقدّمنا وتؤخّرنا عن ركب الآخرين.
قيّم هذا الكتاب
هل استخدمت هذا المنتج من قبل؟
لا توجد أي مراجعات بعد