"البوصلة"، رواية إنسانية وطنية، مغلفة بالحب والتضحية والواجب والوفاء والدم. إنها رواية شعب من خلال منطقة، بل رواية منطقة من خلال رواية حب وواجب. إنها رواية وطن، بل سجل حياة وطن في سرد قصصي، أو سرد حكاية مقاومة ونضال من أجل الحرية والاستقلال والحياة.
ولئن كانت رواية "البوصلة"، على تعدد مواقفها واتجاهاتها واهتماماتها، تنمو من أجل حبك نسيج المتن والحفاظ على المفاجأة، فإن وضعها صب اهتمامه -وفق قاعدة الكلاسيكيين- على قضية مهمة في الصنيع الروائي المسرحي هي قضية الصراع بين العقل والقلب، بل قل: بين الواجب والحب.. ونهاية الرواية ههنا، وإن كانت نهاية سعيدة، على غرار العديد من الروايات العربية المعاصرة، إلا أنها ملفعة بالإخلاص والوفاء والتضحية، على حب أصيل، وشعور وطني نبيل.
وفي تضاعيف رواية عصام الحر "البوصلة" مواقف حاسمة، وتوجهات وطنية نهائية ترسم صورة وطن واحد ومقاومة وطنية واحدة من أجل غاية فذة واحدة هي أن لبنان وطن واحد لشعب واحد، وهو على تعدد طوائفه ومذاهبه ومشاربه وانتماء أفراده -اجتماعياً وسياسياً- يعاني هما وجودياً واحداً قوامه: الحرية وتحرير الأرض والإنسان. وعند عصام وعندي، أن المقاومة الواحدة يحميها وطن واحد، والوطن الواحد تحميه مقاومة وطنية واحدة، من عناصرها مواطنون، أمثال: حسين، ونقولا، ومعروف، وعمر، ومارون، وقاسم، ومتري...
على مثل هذا من رؤى وتصورات تنطوي رواية "البوصلة". وهي ذات لغة سلسة تنساب ببيان عفوي وأصالة عربية، من دون تأنق لغوي مترف.. ومن دون تمحل معجمي دلالي جاف. وإنما ينزل صاحبها الأفكار والأحاديث والحوار بمنزلة من الكتابة الرصينة السليمة المعبرة، والألفاظ والتراكيب والتعابير الشفيفة الرهيفة، على طلاوة وحسن رواء.