هذا كتاب نافع نفيس، وأثر فريد في بابه رئيس، هو كتاب الكسب ألفه الإمام الفقيه المحدث المجتهد محمد بن الحسن الشيباني، تلميذ الإمامين الجليلين أبي حن... يفة النعمان، وأبي يوسف القاضي، وتلميذ الإمام مالك بن أنس إمام دار الهجرة، وسواهم من أئمة ذلك العصر الميمون، وعنوان الكتاب...
هذا كتاب نافع نفيس، وأثر فريد في بابه رئيس، هو كتاب الكسب ألفه الإمام الفقيه المحدث المجتهد محمد بن الحسن الشيباني، تلميذ الإمامين الجليلين أبي حن... يفة النعمان، وأبي يوسف القاضي، وتلميذ الإمام مالك بن أنس إمام دار الهجرة، وسواهم من أئمة ذلك العصر الميمون، وعنوان الكتاب هذا يحمل معاني واسعة شاملة لكل جوانب الارتزاق في الحياة، وهو إلى جانب هذا الشمول الشامل الكامل، يدل على سعة فقه الإمام محمد بن الحسن، وعمق نظره، ودقة تعبيره، فهذا تعبير لا تتخلف عنه صورة جزئية أو كلية من موارد الرزق، كالتجارة، أو الصناعة، أو الإجارة، أو الهبة، أو البيع، أو الشراء، أو الاحتطاب، أو الاصطياد، أو ما أخرجته الأرض، أو أنبتته السماء، فلله در هذا الإمام الفقيه البليغ والعبقري النبيه، فقد استوفى بهذه اللفظة المفردة الصغيرة كل مصدر ارتزاق أو انتفاع يقع للإنسان.
وبالجملة فالإمام محمد بن الحسن هو أول من أفرد هذا الموضوع: (الكسب) بالتصنيف، وأجاد البحث عن كثير من جوانبه المهمة، فقد اشتمل الكتاب مع شرحه للسرخسي على تحقيق وإيضاح أمور كثيرة بأدلة المنقول والمعقول، فاشتمل على بيان الأمور التالية: 1-فرضية طلب الكسب على كل مسلم، وبيان مراتب الطلب مع أحكامها. 2-الأخذ بالأسباب لا ينافي التوكل. 3-إبطال رأي الكرامية وقوم من جهال أهل التقشف وحمقى أهل التصوف، من تحريم الكسب والسعي للرزق. 4-أنواع المكاسب، والتفاضل فيما بينها، والخلاف في ذلك، وأن الكسب الحلال فيه معنى المعاونة على القرب والطاعات أي نوع كان. 5-مسائل الإنفاق، وحدود الإسراف والاعتدال في كل من المأكل والملبس والمسكن. 6-فضل إعانة الرجل أخاه، ومتى تجب عليه الإعانة ومتى لا تجب.
وفي ثنايا بحوث الكتاب وشرحه توجد فوائد ومسائل آخر ثمينة، مثل مسألة: الاشتغال بالكسب أفضل أم التفرغ للعبادة بعدما اكتسب ما لا بد له منه؟، ومسألة: صفة الفقر أفضل أم صفة الغنى؟ ومسألة: الشكر على الغنى أفضل أم الصبر على الفقر؟ ومسألة: جواز بل وجوب السؤال عند الحاجة، ومسالة: المعطي أفضل من الآخذ مطلقاً أم فيه تفصيل؟
كما جاء فيه أيضاً -استطراداً- بحث واف في بيان فرضية طلب العلم على تفاوت في مراتب الطلب، ثم فرضية تبليغه وأدائه إلى الناس، مع ذكر آداب مهمة للتبليغ لا يسع جهلها.
وأهمية هذه العناوين والمحتويات التي عالجها الكتاب وشرحه واضحة، وبها تظهر أهمية الكتاب وجلالة موضوعه، وقد ذكر السرخسي قبيل ختم الكتاب سبب تصنيف الإمام محمد لهذا الكتاب، فقال: إن الإمام محمداً صنف هذا الكتاب في الزهد، على ما حكي أنه لما فرغ من تصنيف الكتب، قيل له: ألا صنفت في الزهد والورع شيئاً؟ فقال: صنفت كتاب البيوع (يريد أن المرء إذا طاب مكسبه حسن عمله)، ثم أخذ في تصنيف هذا الكتاب، فاعترض له داء فجف دماغه ولم يتم مراده، ويحكى أنه قيل له: فهرس لنا ما كنت تريد أن تصنفه، ففهرس لهم ألف باب كان يريد أن يصنفها في الزهد والورع... وهذا الكتاب أول تصانيفه في الزهد والورع....
وهذه فكرة عالية دقيقة من الإمام محمد، فقد بدأ بمعالجة رأس الزهد والورع وهو طيب المكسب.
وبالنظر لأهمية الكتاب فقد تم الاعتناء بتحقيقه بداية كما تم رفده برسالةالحلال والحرام وبعض قواعدهما في المعاملات المالية للإمام أحمد بن تيمية الحراني.