إن الله تعالى قد أمر في كتابه العزيز بالسير في الأرض للإعتبار والإستدلال على وجوده ووحدانيته ، فقال تعالى [ سيروا في الأرض ] في آيات من الكتاب المجيد، وقال في بعضها [ثم انظروا ] وفي بعضها الآخر [ فانظروا ] ، فكان الوطن تارة بالفاء وتارة بثم إشارة إلى أن النظر والإعتبار كما يلزم...
إن الله تعالى قد أمر في كتابه العزيز بالسير في الأرض للإعتبار والإستدلال على وجوده ووحدانيته ، فقال تعالى [ سيروا في الأرض ] في آيات من الكتاب المجيد، وقال في بعضها [ثم انظروا ] وفي بعضها الآخر [ فانظروا ] ، فكان الوطن تارة بالفاء وتارة بثم إشارة إلى أن النظر والإعتبار كما يلزم في حالة السيد يلزم بعده حتى لا يكون الزمن والعمل خالياً من فائدة صحيحة في نظر الشرع فأولاً يحصل النظر الإجمالي في حالة السيد ثم يحصل النظر التفصيلي بالإعتبار عند الإنفصال عنه حتى يستقر في النفس بغاية التروي، ولا يخفى أن القاعدة الأصولية عندنا هي أن الأمر (للوجوب) ، وهو حقيقته ولا يصرف إلى غيره إلا عند القرينة الصارفة، وقد اشتملت الآيات المذكورة على أمرين وهما: الأمر بالسيد ، والأمر بالنظر، فكلاهما واجب، غير أن الأول واجب لكونه وسيلة للثاني، والثاني واجب مقصود لذاته، وإفادة ترتيبه على سابقه تحصل بكل من (الفاء) و (ثم) بيد أنه تحصل بكل واحدة فائدة خاصة (فالفاء) تفيد ترتيب النظر على السيد بغير مهلة (وثم) تفيد ترتبه عليه بيده حتى يكمل رسوخه . [ ... ] ثم يتابع قائلاً : وفيما ورد في السفر من السنة روى السيوطي في الجامع الصغير عن إبن السني وأبي نعيم عن إبي سعيد الخدري رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : سافروا تصحوا وتغنموا، فأرشد الرسول صلى الله عليه وسلم إلى أن في السفر ثمرتين راجعتين إلى الجسم زيادة على ما تقدم من الثمرات الروحية (الأولى) هي الصحة لما يشتمل عليه السفر من الرياضيات البدنية، إذ لا يخلو غالباً عن مشقة، ولهذا رُخّص فيه من الرخص ما هو معلوم في الفروع، بقطع النظر عن العلّة الباغتة كما هو المذهب الحنفي وأتعاب البدن يثمر صحته ، وايضاً استنشاق المسافر الهواء السليم الذي أنفع للجسم من الأكل والشرب، لأن الإنسان لا غنى له عن النفس في كل لحظة، بخلاف الأكل والشرب لإمكان الصبر عليها مدة ما [ ... ] وبناءً على ذلك فإنه لما كان المؤلف قد ابتلي بمرض أعين عالجه أطباء بلده، أشير عليه بالشفر لأجل ذلك الغرض، فاستخار الله تعالى، واستشار الأصدقاء، فأشير عليه بالسفر لما فيه من فوائد تجعله شفاء لمرضه، وهكذا سافر، فجاب البحار والقفار، والمدن والأمصار، حيث أسمعته الوسائل المتوفرة للسفر نيل المراد بمشاهدة ما شاهده من البلاد في هذه المعمورة، فرأي بعيني البصر والبصيرة أموراً عجيبة خطيرة عمد إلى تدوينها حفظاً لها من الإهمال والنسيان، ومراده من ذلك تعميم فوائد ما دون من علم ومعلومات على الجميع، مرتباً رحلته هذه على مقدمة ومقصد وخاتمة. أما المقدمة فقد تضمنت ثلاثة ابواب: أولها في السفر من حيث هو، مشتملاً على ثلاثة فصول. الباب الثاني: في السفر لغير أرض السلام وفيه فصلان: الباب الثالث: في تقسيم أحوال أهل الأرض وفيه خمسة أقسام وستة وثمانون فصلاً. أما المقصد فقد شمل ثلاثة عشر باباً: الأول في سبب سفره، الثاني: في مملكة تونس، الثالث: في مملكة إيطاليا، الرابع: في مملكة فرنسا، الخامس: في قطر الجزائر، السادس: في مملكة إنكلترة، السابع: في جزيرة مالطة، الثامن: في قطر مصر، التاسع: في الحجاز وجزيرة العرب، العاشر: في بقية الممالك العثمانية، الحادي عشر: في مملكة الرومانيا، وكل باب اشتمل على فصول حسبما فيه من الفروع. أما الخاتمة فقد تحدث فيها على ما ينبغي للأمة الإسلامية اتخاذه من زيادة بث المعارف وما تنثره هذه المعارف من خيرات .