-
/ عربي / USD
"بلدكم جميل، لكنه مليء بالحانات والصحف، من الذي يشرب كل هذه الخمرة؟ من الذي يقرأ كل هذه الصحف؟ ولم أعد أسمع غير صوتها والصوت الصغير في داخلي يصرخان: "أحسنت، أحسنت"، ولا بد أن صوتي أخذ يعلو، فقد بدأ الناس ينظرون إليّ كالمدهشين، بلدكم جميل لكن الأخ منكم لا يحب الخير لأخيه. بلدكم مشرق الوجه، لكن لماذا تمشون عراة في الشتاء وتلبسون الملابس الثقيلة في الصيف؟". "فتياتكم ممشوقات القدود، لكن صدورهن كالينابيع الجافة، وظل صوتي يعلو، ولاحظت الناس يبتعدون. أنتم طيبون ما في ذلك شك. لكنكم تخشون بعضكم البعض ولا تخشون الله، بلدكم جميل، لكنني لم أرخيه لحية ولا شارباً، أقمت هنا شهراً قبل اليوم.
قالوا لي إننا نحبك. لكنهم كانوا يكذبون.. ولاحظت الناس يلتصقون بعضهم ببعض حتى أصبحوا كالقطيع الضأن حين يدهمه المطر، خزائنكم ملأى بالكنوز. لكن المال تنفقونه على الأطباء. بلدكم جميل، لكن "الغرباء" فيه قليلون، أنتم خير أمة أخرجت للناس، لكنكم تضحكون جماعة وتبكون جماعة، وليس فيكم صوت واحد يرتفع منفرداً كآلة الكمان. أنتم شم الأنوف من الطراز الأول، لكن ليس فيكم واحد يسبح عكس التيار. وسمعت فجأة زجاجاً يتحطم، وأحسست بلطمة قوية على فكي. و:أنني استيقظت من نوم، فرأيت شاباً أشقر يحملق في وجهي بغضب، وتلفتّ حولي فإذا القوم كلهم قد تجمعوا كتلة واحدة على مبعدة مني بعضهم عابس، وبعضهم غاضب، بعضهم متحرش، وبعض الوجوه عليها ذلك التعبير الأجوف الذي رأيته على وجوه المصلين ذات يوم".
بالعبر والأخلاقيات تعج صفحات هذا الكتاب الذي رصده المؤلف "الطيب الصالح" لرسم صورة عن عالمنا الكبير بمساحته الصغيرة بأبعاده الأخلاقية التي يشترك كل البشر برسم ملامحها.
قيّم هذا الكتاب
هل استخدمت هذا المنتج من قبل؟
لا توجد أي مراجعات بعد