-
/ عربي / USD
رميتُ بنفسي في مغامرة محفوفة بالمخاطر عندما بدأتُ بالحديث عن نفسي: نبدأ ولا ننتهي.
مضى عهد طويل وأنا أتمنّى سرد وقائع عشريني الأولى على نفسي؛ لم أنسَ قط النداءات التي كنتُ أبعث بها للمرأة التي ستستولي عليَّ بالكامل، جسماً وروحاً: لم يبق منّي شيء، ولا حتّى قبضة رماد؛ ناشدتُها أن تنتزعني من هذا العدم الذي قذفت بي فيه.
ربّما لم أكتب كتبي سوى لألبّي هذا النّداء، هذه الصّلاة القديم. في الخمسين، قرّرتُ أنّ الوقت قد حان؛ أعرتُ مداركي لطفلة، لشابة مُهمَلَة في عمق الوقت الضائع، وتائهة معه، جعلتها توجد بالأبيض والأسود على الورق.
لم أبتعد كثيراً في مشروعي، كبيرةً، كففتُ عن الإنشغال بالمُستقبل؛ عندما أنهيتُ مُذكّراتي ما من صوتٍ رجع صداه من ماضِيَّ كي يُشجّعني علي مواصلته، كنتُ قد قرّرتُ البدء بشيء آخر، ثمّ هأنذي أفشل، غيرَ مرئيّة، خلف آخر خطّ، ارتسمت نقطة استفهام لم أنجح في مخاتلة تفكيري حتّى لا ينتبه إليها، الحرّية: لماذا؟...
كلّ هذا الهرج، هذه المعركة، هذا الهرب، هذا الإنتصار، أيّ معنى قد تضفي عليها مُجتمعة حياتي المتبقّية؟ أوّل عمل هو الإنزواء خلف كتبي؛ لكن، لا، إنّها لا تمنحني أيَّ إجابة: كانت هي أسئلة بحدّ ذاتها.
قررتُ الكتابة، وكتبتُ، حسناً، لكن ماذا؟ لمَ هذه الكُتب، هذه فقط، فقط هذه بالذات؟ هل أردتُ أكثر أم أقلّ؟ لا شيء مُشتركاً بين الأمل الفارغ اللانهائي لعشريني والعمل المُنجَز، أردتُ في الآن نفسه أكثر بكثير وأقلّ بكثير.
رُويداً، اقتنعتُ أنّ الجزء الأوّل من ذكرياتي يتطلّب في نظري تتِمّة: لا طائل من رواية قصّة عن مهنة الكاتب إن لم أذكر كيف تجسّدت.
من جهة أخرى، ارتبطت حياتي بحياة جون بول سارتر؛ لكنّ قصّته، ينوي روايتها بنفسه، وأفسح له المجال ليفعل كما لا يفعل أحد أفضل منه، لن أبحث في أفكاره، أعماله ولن أتحدّث عنه سوى في حدود تقاطعه مع وجودي.
نقّاد، اعتقدوا أنّي أردتُ في مُذكّراتي تلقين الفتيات دروساً؛ أردتُ خصوصاً، التخلّص من دَيْن، على أيّ حال، سيكون هذا التقرير مُجرّداً من كلّ مواعظ.
سأكتفي برواية ما كانت عليه حياتي، لن أحكم على شيء، إلا إذا كان في الحقيقة فائدة، لماذا، ولمن قد تصلُح الحقيقة التي حاولتُ تضمينها هذه الصّفحات؟...
أجهل ذلك، أتمنّى أن نخوض غمارها معاً بأكبر قدر من البراءة (عمدتُ في هذا الكتاب إلى القيام بحذف بعض المقاطع: لكن لم أجنح قط إلى الكذب، لكن ثمّة احتمال أن ذاكرتي في علاقة ببعض الأشياء قد خانتني؛ الأخطاء الصغيرة التي قد ينتبه إليها القارئ لا تقوّض الحقيقة في مُجمَلِها).
قيّم هذا الكتاب
هل استخدمت هذا المنتج من قبل؟
لا توجد أي مراجعات بعد