-
/ عربي / USD
خرجت اليُوم من قبوي، تحرّرت أخيراً من قبري، الذي حشرتني فيه الطبيعة، لكني تلقنني درساً نلته عن استحاق، كما ناله أمثالي، الذين لم يتردّدوا في أن يستخفّوا بناموس هذه الأمّ، التي نكّلنا بها بباطلنا، واقترفنا الآثام في حقّها، فحقّ لها أن تحتجّ أخيراً.
خرجت اليوم رغم بطش الطقس المستمرّ، فتلقتني شجرة السرو والعملاقة في أوّل منعطف، اعترضت سبيلي فجأة، استوقفتني بلحنٍ شجيّ افتقدته طويلاً، لم أفتقده بسبب اغتراب الأوراق في أغصانها مع حلول خريف العام الماضي، لكني افتقدته منذ أمدٍ بعيد منسيّ، أضحى غنيمة الذاكرة طوال أعوام، فإذا بالشجرة تحيي المعزوفة الشجنيّة الضائعة، وتطرحها في سمعي هبة مجّان، فلم أعرف كيف أعبّر لها عن امتناني.
كانت تلك الأغنية مستعارة من الزمن المفقود، مستعارة من طفولة الزمن في هويّته الأكثر هشاشة، ولكنها الأكثر شفافيّة أيضاً، عندما يستدرجني عزف الريح في أوتار ملفقة من أعراف شجرة الرتم، التي راقني أن أسمّيها خصلات الحسناء دوماً بسبب نعومة الأغصان، ومرونتها، بل وهزال حجمها، فتنوح بتلك النبرة الحنينيّة المميتة، لتغذّي أحلامي، أعوام مقامي في رحاب صحراء الشمال، في مرحلة عمر، الأحلام فيه هي رأس المال في حياة أمثالي.
فكنت أستسلم لإغوائها قبل أن أغترب عن فردوسي، لأطواف الأكوان، لأعلم أن للريح حوريات يروقهنّ إغراء المريدين، أمثال العابر أوليس، لإستدراجهم إلى المجهول.
قيّم هذا الكتاب
هل استخدمت هذا المنتج من قبل؟
لا توجد أي مراجعات بعد