هناك من يقدم الدِّين على أنه طريق ومنهج للخلاص والفوز في الآخرة، وأنه لا يعير أهمية لشؤون الحياة، لأن الحياة الدنيا وفق هذا المنهج لا قيمة لها، ولا تستحق الاهتمام، كما هو مفاد نصوص دينية تقتطع من سياقاتها ليعزّز بها أصحاب هذه الرؤية موقفهم، وتؤكد هذه الرؤية أن الدين توجه وانقطاع إلى الله تعالى بتوحيده وتعظيمه وعبادته، وأن الدرجة المثلى من الدين تقتضي الإعراض عن الخلق، واللامبالاة بالناس، والميل إلى العزلة عنهم، وإعلان البراءة والعداوة والحرب على أكثرية البشر. وحينما تتبنى أمة هذا الفهم السلبي للدين فإن من الطبيعي أن تصبح على هامش الحضارة والحياة، وأن تضطرب علاقاتها الداخلية وارتباطاتها الخارجية مع سائر الأمم والشعوب. وعلينا أن نعترف وأن نقرّ بأن هذا الفهم يشغل مساحة واسعة في أوساط أمتنا الإسلامية بدرجات متفاوتة، وأنه يشكل العنصر الأهم في تفسير واقع التخلف والانقسام والاضطراب الذي تعيشه معظم المجتمعات الإسلامية، حيث تتعثر التنمية، ويتوقف الإبداع، وتتوالد الحروب والنزاعات في الأوطان، وتنمو توجهات العنف والتطرف.