أسوأ ما بالموت أنك لا تشاطر أحبّتك البكاء عليك، لا تمسح الملح الطافي على أجفانهم بعد نوبة بكاءٍ حارقة، لا تراهم وهم يتساقطون خلفك، ولا تملك كفًّا تمدها لاحتضانهم علّ ذلك السعير المتأجج في صدورهم يهدأ ولو قليلًا. ترحل دون أن تحمل حزنك معك، تتركه لهم ليتقاسموه بينهم كباقي تركتك من الحب والمال -إن كان ثمة مال- ترحل وأنت تعلم أن لا شيء سيبقى طويلاً بعدك، ستذبل ذكرياتك معك، ويلوذ كل أحبتك بالنسيان، ربما يتبادلون اسمك مع سلام الصباح، ويُقرئون روحك السلام والحب والرحمة، بعضهم سيبعث اسمك في رسائله الهاتفية لأحبته، وقد يمتد تأثير رسالته إلى أحبة أحبّتك المتناثرين في الكون الفسيح ليعود مرتدًّا إليك، فيكبر كثيرًا ليصغر كثيرًا، سيثرثرون بك طويلًا، ولكنهم يومًا ما -سيأتي دون أن تكون متهيئًا له- سينفضون منك أحاديثهم الصباحية، ويسكبون اسمك مع آخر قطرة قهوة تبقت في فناجينهم، ربما رافقت أحدهم في طريق العمل صباحًا، ولكنك بالتأكيد لن تعود معه مساءً؛ فحرارة الشمس كفيلة بإذابة أي ذكرى لا تدغدغ القلب ببرودة تبعث على الاسترخاء والرجوع للخلف صوب المقعد الجلدي بكل أريحية. لا شيء يدوم طويلًا، هكذا علمتك الحياة وهكذا سيعلمهم رحيلك.
Share message here, إقرأ المزيد
العبور الأخير