الثقافة كالحياة، لا تكتمل صورتها إلا بهذا الصعود والهبوط في سيرورتها، هي جزء من تجربة الإنسان، لذلك تتلبَّس صوره وأحواله، بمثل ما تصف قوته وضعفه، ككائن يواجه العالم بأدواته المعرفية، وعندما تحوَّلت الحياة من حولنا، اقتصاديًا واجتماعيًا، كان من الطبيعي أن تعيش الثقافة تحولاتها وأسئلتها، وأن يطالها ما طال البنى الأخرى من تغيُّرات وتحديثات، وهذا ما أغرى فريقًا من أهل الثقافة في الثمانينيات لاكتشاف الثقافة الجديدة في هذا العالم، والاقتراب من مناطق الأسئلة فيها، ومعاودة استدماجها ضمن خطاب ثقافي محلي، لا يمكن قطعه عمَّا يجري من حوله من تماوجات ثقافية، عربيًا وعالميًا، مع صعود موجة الحداثة وما بعدها من أفكار وحركات واتجاهات كانت تملأ الفضاء الثقافي بالضجيج والحياة. هذه الرغبة في استيلاد حالة ثقافية جديدة لم تخلُ من عقبات، وصدامات، وهذا الكتاب يحاول أن يصف ذلك المشهد بسخونته، وحماسة المشاركين فيه، وأن يقترب من سجالات الحداثة بالاستناد إلى أهم الملاحق الثقافية المحلية على امتداد عقد كامل، هو عقد الثمانينيات، عقد كانت تزدحم فيه الآمال، والتطلعات، بمثل ما كانت تكبر فيه دوائر المخاوف والشكوك من سيرورة التحوُّلات. هنا سنطالع عن قرب صور الفاعلين في هذا المشهد، ونختبر لغتهم ومزاجهم، لنسلِّط الضوء على أبرز المحطات والمنعطفات والسجالات في تلك المنازعات الثقافية.
Share message here, إقرأ المزيد
مرابد الثقافة : شذرات من سجالات الثمانينيات