بدت الأمة الإسلامية بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم بمعنى، حيث إختلطت المفاهيم، وضلّت النفوس، وتاهت العقول، في خضم حب الدنيا، وإندسّ إلى صفوف المسلمين أعوان الشيطان يريدون أن يطفؤوا نور الله بأفواههم، فحاكوا المؤمرات، وكان اليهود والمجوس رأس الفتنة، حيث بدأوا "بالفاروق" رضي الله عنه، فكان شهيد المحراب، وكان رأس الفتنة عبدالله بن سبأ تحركه يهوديته الحاقدة، يصطاد النفوس الضعيفة المتهالكة بين "الكوفة" و"البصرة" و"مصر"، ثم يطلقها حتى تسورت دار الخليفة الثالث الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه، فقضى مطعوناً شهيد تلاوة القرآن، ثم إزدادوا وإستطالوا فأدغلوا في دماء المسلمين، ولأول مرة تنشق صفوف المسلمين وتتقاتل جيوشهم، ولكن رغبة في السلطات، وتشرذم الناس وصمّـت الآذان عن نداء بني الرحمة صلى الله عليه وسلم: "لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض"، وسقط طلحة الخير شهيداً، على يد أحد أعوان الشيطان، ثم تبعه الزبير بن العوام، على يد، أيضاً واحد من جنود إبليس، وكان ذلك يوم واقعة الجمل. ثم إتسع الخرق وذلك بعد وقعة صفيّن، وفي يوم السابع عشر من رمضان سنة أربعين للهجرة، تم فصل من فصول المأساة وسقط عليّ الراشد رضي الله عنه شهيداً على يد أحد عناصر الفتنة "إبن ملجم".
تلك هي القواصم التي ضربت جذورها في أرضية المسلمين، فأفرخت ثم نبتت كشجرة الزقوم كلها كأنه رؤوس الشياطين وما تزال بين الحين والآخر تطرح مرّ الحادثة. ولكن لها "عواصم تكشف المخبوء وتفضح المستور وتوقظ النيام والغفلة، وتعيد الحق إلى نصابه، والعقل إلى صوابه. وما هذا الكتاب "لعواصم من القواصم" لمؤلفه القاضي أبي بكر بن العربي (468-543 ه) إلا لفتة إيجابية صادقة، يكسف الزيف عن تلك الإحداث مبينة حقيقة هذه الفتن ومن يقف وراءها. هذا وقد شعر عالم القطرين (مصر والشام) الشيخ محي الدين ما لهذا الكتاب من أهمية، فعمد إلى الأعتناء به والإسهام في تحقيقه، مسهماً في إضافة التعاليق العلمية الوثائقية الصادقة مما ساهم في زيادة أهمية هذا الكتاب نصّاً وتحقيقاً وتوثيقاً.
Share message here, إقرأ المزيد
العواصم من القواصم في تحقيق الصحابة بعد وفاة النبي