لم تعد الروابط الدينية والثقافية والحضارية التي تميز العلاقات الأمريكية الصهيونية من القضايا المخفية عن القارئ العربي، فمنذ ثمانينيات القرن العشرين ظهرت مجموعة من الكتب الهامة التي توثق جذور هذه الروابط وترجعها إلى أصولها العقائدية التي بدأت مع الإصلاح الديني البروتستانتي الذي جعل التوراة اليهودية في متناول المواطن الأوروبي العادي وأزاح عنها التفسيرات المجازية التي كانت الكنيسة الكاثوليكية تغلف بها النصوص المقدسة وتوائمها مع المعتقدات المسيحية التقليدية التي نسخت إنتخاب الشعب الإسرائيلي المختار ووعده بأرض الميعاد، وذلك لصالح إتباع يسوع المسيح، كما اكتسح هذا الإصلاح العقيدة اليهودية التقليدية التي كانت قد أجلت كل وعود التوراة إلى قيام المسيح المنتظر، وساق في طريقه اليهود أنفسهم نحو تبني التدخل البشري في تحقيق الإرادة الإلهية والتسريع بظهور المسيح بعدما كان هذا التدخل في إرادة الله يعد نوعاً من الكفر والهرطقة.
هذه الجوانب شرحت بالتفاصيل في كتب كثيرة أماطت اللثام عن أسباب تميز العلاقات الأمريكية الصهيونية عن بقية العلاقات الأمريكية بعملائها في العالم، ولماذا يتسابق المسئولون الأمريكيون والمرشحون للمسئوليات لتأييد السياسات الصهيونية وعدم قدرتهم على مواجهتها علناً أو الضغط عليها ضغطاً مؤثراً، وما هو سر الشعبية الكاسحة لهذه التوجهات التي تهدد كل من يقف في وجهها بالعزل السياسي والنبذ الإجتماعي.
ما تحاول هذه الدراسة توضيحه هو نقاط التشابه بين النموذجين التاريخيين الأمريكي والصهيوني وذلك بواسطة إلقاء نظرة على تاريخ السابقة الأمريكية التي حلت بالسكان الأصليين فمارست ضدهم كثيراً من السياسات التي مارسها الصهاينة ضد العرب فيما بعد كما أثارت لدى هؤلاء الهنود كثيراً من ردود الفعل التي تطابق ردود فعل أهالي بلادنا على التجربة الصهيونية.
إن النقطة المركزية في هذه الدراسة هي أن ما قام به الكيان الصهيوني في بلادنا سبق أن قامت به الولايات المتحدة ومن قبلها المستوطنون الأوروبيون في بلاد الهنود الحمر، وليس الأمر مجرد طرد وإحلال، إذ أن التشابه أعمق من ذلك ويمتد إلى السياسات التفصيلية التي لو كنا قد أحطنا بها وعلمنا آليات عمل الكيانات الإستعمارية الإستيطانية، لوفر ذلك علينا كثيراً من المعاناة والخسائر التي دفعناها ثمن تجارب سياسية فاشلة كان غيرنا قد سبق إليها فأحبطته أيضاً، ولا أدعي أننا كنا سننتصر ونعيد ما سلب منا، فهذا الأمر ليس متوقفاً على مجرد المعرفة التاريخية وحدها بل هو مرتبط كذلك بموازين القوى التي ليست لصالحنا في هذه المرحلة التاريخية.
Share message here, إقرأ المزيد
أمريكا الإسرائيلية وفلسطين الهندية الحمراء : تاريخ السوابق الأمريكية للجرائم الإسرائيلية