رواية الكاتب والباحث والناشط السياسي المصري أحمد عبد الحليم (1995) "التَّابع وسليمان" سرديّةٌ غاضبة، مشدودة ومتوتّرة. فيها حيّز واسع لسخرية التابع من نفسه، ومن واقع تنقله الرواية عن أوطانٍ ليست أكثر من سجون، ومنافٍ ليست سوى انكفاء داخل الجسد. وكأنَّما يُحيل الكاتب المصري في روايته الصادرة حديثاً عن "مرفأ للثقافة والنشر"، الوجودَ كلّه، إلى لعنة، إلى حبس، إلى زنزانة خانقة لا سبيل للفكاك منها إلّا نداء الموت كي يأتي.مع ذلك، يجد القارئ الكثير ممّا يتقاسمه مع بطل الرواية التي تحكي قصّة شاب مصري، سجين سياسي، هربَ من بلده إلى بيروت. وفي المنفى أعادَ تعريف علاقته بوطنه الذي يتطابق في مواضع عديدة مع السجن. وقد أعادَ الراوي تعريف علاقته مع وطنه عبر ذكرياتِ سنوات الطفولة الأولى والمراهقة لشابّ ينتمي إلى بيئة تحت متوسطة. امتنع الكاتب عن وصفها على أنها بيئة فقيرة؛ كلُّ ما فيها يزرع أسباب الغضب، ويرفع من فرصة أن ينمو وعي المرء بوطنه، بصورة ساخطة، مع إدراكه لوطنه عبر الرفض وفي الرفض، وفي تصدير الرفض أخيراً، والثورة هنا وعيٌ بالانتماء.
تصدير الرفض، السِّمة التي تدور حولها الرواية التي تحمل عنواناً فرعياً "عن الحُبّ والجسد والمنفى". وعبد الحليم مشغول بنظرياته عن الجسد والسُّلطة، مع خيط يدمجهما معاً، هو علاقات القوّة والضعف، لا أقول الحُبّ. لأنّ الرواية عن حياة التابعين. والحُبّ بالتالي، ليسَ أكثر من حُلم، ليسَ أكثر من روح تطوف وتُظلّل الحياة من غير أن تتجسَّد. إذ ليس بوسع التابعين امتلاكه أو الاغتناء به. فينوب عن لغة الحُبّ الحميمة سيلُ الشتائم التي تظهر تلقائية في السردية الغاضبة. ينوب عن الآخر، تمنّي وجوده، ومراسلته. وينوب عن الحُبّ المتبادل، ذلك الشعور الذي يُبقي الآخر على مسافة، شعور خجلٍ مبتور، وخضوع لا يُجيد التعبير عن نفسه.
Share message here, إقرأ المزيد
التابع وسليمان : عن الحب والجسد والمنفى