أنتجت القرون الوسطى الإسلامية مرويات كبرى شبه ثابتة عن الأعراق والثقافات والعقائد خارج دار الإسلام، والصور المتخيلة للآخر، في المخيال الإسلامي، كرستها الخلافات الدينية، والصراعات السياسية، وتباين المنظومات القيمية والثقافية، وما دامت تلم المرويات توجه أفكار المؤرخين، والجغرافيين، والرحالة، والمفكرين، والفقهاء، وكل من يصوغ الصور الجماعية الذهنية الخاصة بالآخر، فمن المنتظر الحصول على سلسلة من الأحكام غير المنصفة بحقه، فالعالم خارج دار الإسلام –كما قامت تلك المرويات بتمثيله-غفل، ومبهم، وبعيد عن الحق، وبانتظار عقيدة صحيحة لإنقاذه من ضلاله، وفيما يخص الذات أنتج "المتمثل" ذاتاً نقية، وحيوية، ومتضمنة الصواب المطلق، و القيم الرفيعة، والحق الدائم. أما فيما يخص الآخر، فقد أنتج التمثيل "آخر" يشوبه التوتر والالتباس والخمول والكسل، وذهب، بالنسبة للأقوام الثانية، إلى ما هو أكثر من ذلك، حينما وصفها بالضلال والتوحش والبوهيمية. وتمثل المرويات ذاكرة يصار إلى استعادة حمولاتها طبقاً لحاجات الوعي الجماعي في ظروف تاريخية محددة من أجل أهداف عامة، والبحث في الصور المتشكلة للآخر، في المخيال الإسلامي، ليس موضوعاً أغلق وانتهى، بل هو قضية تتصاعد بفعل التحديات المعاصرة، إذ يدفع بالماضي ليكون جزءاً من نزاعات الحاضر، واستخدام المرويات يجعلها وسيلة للرهان في كل موضوع يستعصي على الحل، وذلك فيما نرى، يحجب النظر عن القضايا الحساسة، ويتسبب في عماء دائم يحول دون التفكير الموضوعي في الواقع القائم.
يطمح هذا الكتاب إلى عرض الرواية الإسلامية للآخر، مؤكداً على فكرة أساسية، هي أن المركزيات تصاغ استناداً إلى نوع من التمثيل الذي تقدمه المرويات الثقافية (الدينية، والأدبية، والتاريخية، والجغرافية، والفلسفية والأنثروبولوجية) للذات المعتصمة بوهم النقاء، والآخر المدنس بالدونية، فالتمركز نوع من التعلق بتصور مزدوج عن الذات والآخر يقوم على التمايز والتراتب والتعالي، ويتشكل عبر الزمن بناءً على ترادف متواصل ومتماثل لمرويات تلوح فيها، بوضوح صورة انتقيت بدقة لمواجهة ضغوط كثيرة. ولعل أكثر ما حرص هذا الكتاب على صونه: إيراد نصوص متكاملة، ومتنوعة، ومطولة، ومستوفية الشروط، تضافرت فيما بينها لكشف مختلف الأوجه للعالم خارج دار الإسلام طوال القرون الوسطى، وكان ذلك العالم يحيط بدار السلام من جميع الجهات تقريباً، وقد خصت أقوام الشرق والشمال والجنوب بأجزاء خاصة بها ضمن هذا الكتاب، لأن نظرة المسلمين إليها تباينت تبعاً لتباين المنظومات الثقافية التي تنتمي إليها، وتبعاً لمناطقها الجغرافية. ويهدف الكتاب إلى توفير المادة الأصلية التي يمكن الاعتماد عليها في رسم صورة الآخر في أعين المسلمين خلال تلك الحقبة الطويلة والمتقلبة.
لعل أكثر ما حرص هذا الكتاب على صونه، هو: إيراد نصوص متكاملة، ومتنوعة، ومطولة، ومستوفية الشروطـ تضافرت فيما بينها لكشف مختلف الأوجه للعالم خارج دار السلام طوال القرون الوسطى, وكان ذلك العالم يحي بدار الإسلام من جميع الجهات تقريباً، وقد خصت أقوام الشرق والشمال والجنوب بأجزاء خاصة بها ضمن هذا الكتاب، لأن نظرة المسلمين لهم تباينت تبعاً لتباين المنظومات الثقافية التي ينتمون إليها، وتبعاً لمناطقهم الجغرافية وأعراقهم أيضاً.
ويهدف الكتاب إلى توفير المادة الأصلية التي يمكن الاستناد ‘ليها في رسم صورة الآخر في أعين المسلمين خلال تلك الحقبة الطويلة والمتقلبة، إلى ذلك فكثير من النصوص أدرجت كمصادر موثوق بها في أعين المسلمين خلال تلك الحقبة الطويلة والمتقبلة، إلى ذلك فكثير من النصوص أدرجت كمصادر موثوق بها في كشف الأبعاد الاثنوغرافية للمجتمعات الوسيطة. وتتضمن الطبعة الثانية من الكتاب مزيداً من النصوص الجديدة، والتنقيحات الأساسية، والإضافات الضرورية، بنا يوسع هدف الكتاب الذي يراد منه رسم صورة تمثيلية للعالم خارج دار الإسلام في القرون الوسطى، مع الأخذ بالحسبان أن تخوم تلك الدار كانت متغيرة، وأحوال الأمم فيها متقلبة، لانعدام إشارات كثيرة عن مجتمعات تعيش في تلك التخوم، أو ضمن "دار الصلح"، وفي جميع الأحوال حرصنا على استيفاء وضع تلك المرويات، على الرغم مما نجده من تكرار، لنضع تحت التصرف رؤى كاملة لمؤرخين، ورحالة وجغرافيين، صدروا عن تصورات ثقافية ودينية متقاربة في رؤيتهم لأعراق وعقائد مختلفة عما هو معروف في عالمهم.