وقد بات ليلة ذلك اليوم الذي سمع فيه ما سمع حزيناً أسيفاً، وتحت جنح الظلام فتح كتاب مآسيه ليقرأ فيه كم عانى عندما عُيّن أول مرة مدرساً في بادية لا تربطها أية صلة بوسائل المدينة الحديثة، ومع ذلك لم يقنط ، ولم يتوان في تأدية الواجب، لأن النور الذي يشع من عيون تلاميذه الأبرياء ينفذ إلى قلبه ويضيء زواياه المعتمة . وكم ألجم رغباته وهو في أوج مراهقته لكي لا يخدش وجه الحياء في مقر عمله ولكي لا تشير إليه الأصابع بما يكدّر صفوه، وينغّص عليه فرحته بمهنته وبما رسمه لمستقبله، فكان مقر العمل بالنسبة إليه خلوة يتفرغ فيها للجد. وكم سهر الليالي وهو يستعد لاجتياز إمتحان البكالوريا في عزلة قاسية، وكم أحس بمرارة خانقه لأن ظروفه السرية حرمته من استكمال دراسته، واضطرته إلى العمل في سنّ مبكرة، بات أيمن يحصى مآسيه وزفراته تلسعه حتى كاد يختنق، ولم يخفف عنه حدّة هذا الأسى إلا كونه طالباً في السنة الثالثة بكلية الآداب بالرباط.
Share message here, إقرأ المزيد
هوامش الصمت