إجمالاً، تحوّلت موجات «الرّواية المضادّة»الثّلاث، من حقل الأدب ونوعه القصصيّ إلى مجال لعب باللّغة وبتركيبها وتراوحت بين رفض الإيديولوجيا وفرضها. فالمسار الذي قطعته هذه التحوّلات أدّى إلى إفراغ الشّكل الرّوائيّ من مقوّماته بل إلى آفاقٍ «لا أحدَ يدري، على التّحديد، ما هي(..)لم يكنْ لما جرى من صراعات نظريّةٍ بين مشاريع «الرّواية المضادّة»، على كثافتها وشدّة توسّعها، كبيرُ دورٍ وتأثيرٍ في تطويرِ النّصّ الرّوائيّ وتجويدِه.
محمد الرشيد ثابت
«نميز الرواية المضادة من خلال جدة الأبنية المغايرة للأنماط المدرسية للرواية. فبناء الرواية الحديث يقوم على إعادة تشكيل الآليات، وإعادة رسم العلاقة بين ما هو واقعي وما هو متخيل، بل تصل العلاقة إلى حد طمس المعالم والفواصل التي تحد من اندماج تجربة الواقع حتى تصبح التجربة غير مستقرة الهوية، تنازعها الفضاءات المختلفة»
حسن النعمي
فإن أهم ما يمكن أن نقرره في ختام هذه الإلمامة أن مفهوم الرواية الضديدة، رغم عسر حده وغموض مكوناته، يمكن أن يكون مدخلا مهما لدراسة الرواية العربية الحديثة من منظور جديد لا يقوم على الاستمرار والتتابع بل ينهض على الانقطاع والتمرد على المؤسس. تلك هي بذرة التجديد في كل أدب حي: هدم للقديم المتهافت، وتأسيس للجديد لإعادة تشكيل الماضي بمنظور مستقبلي.
محمد القاضي
إنك يمكن أن تجد في «رامة والتنين»لعباً لغوياً في مقابل القصد، ومصادفات في مقابل التخطيط، وفوضى في مقابل التراتبية، وصمتاً في مقابل اللوغوس، وتفككاً في مقابل التركيب، وغياباً في مقابل الحضور، وتشتتاً في مقابل المركزية، وكناية في مقابل الاستعارة، ودالاً في مقابل المدلول، ومكتوباً في مقابل المقروء، وضد السرد في مقابل ما هو سردي، ورغبة في مقابل العقل، ولا حتمية في مقابل الحتمية، ومفارقة في مقابل المحايثة.
أحمد صبرة
ما نستنتجه ممّا سبق أن ما سمّى رواية مضادة أو ما جرى مجراها من مصطلحات، يجعل هذا النّوع الموسوم بالضديّة مقابلا مباينا للجنس الذي اشتق منه وهو الرّواية ولا سيما الرواية الواقعية كما جاءت عند كبار روائيي القرن 19.وأصل المقابلة والمباينة كسر مقولة التمثيل والإيهام بالواقع التي تقتضي محاكاة القوانين المتحكمة في التاريخ.
محمد الخبو
فمن المقرر المعروف أن الرواية المضادة استبدلت بمكونات الحبكة القائمة على التتابع والسببية والترابط والوحدة والنمو العضوي والتشويق وإثارة العواطف واندماج القارئ والإيهام بالواقع التي شكلت أسسا جمالية في الرواية المتعارف عليها، مكونات مختلفة تقوم على التجاوروالتزامن والتضاد وتجميد الحركة ووضع مسافة بين القارئ والمقروء؛ وهي مكونات تخلخل الوعي الجمالي المستقر.
محمد مشبال