بعد الحكيم الترمذي (ت 318هـ) أحد أبرز علماء التصوف الإسلامي في أواخر القرن 3هـ / 9م وأوائل القرن مـ / 10م، وقد ترك آثارا مخطوطة كثيرة جدا كان لها أثرها في كثير من كبار المتصوفين في القرون التالية، ومنهم ابن عربي (ت 556هـ)، وقد تجدد إحياء آثاره ونشرها عند الباحثين العرب والمستعربين الغربيين في أواخر القرن 19م والقرن 20م وأوائل القرن 21م. وكانت المستعربة الفرنسية جنينييف غوبيو قد تخصصت في دراسة حياة هذا الصوفي وأفكاره، ونشرت بعض أعماله وترجمتها إلى الفرنسية، وكانت باكورة أعمالها نشرها كتابه غور الأمور وترجمته إلى الفرنسية، وجاءت دراستها الحالية المترجمة إلى العربية استقصاءً علميا وموضوعيا لحياة الحكيم الترمذي وتكوينه في ترمذ وفي بلخ وبعض مدن إقليم خراسان الواقع في شرقي الدولة العباسية، وكذلك تناولت المؤلفة عصره من حيث العقائد المحلية والفرق الدينية والمذاهب المنتشرة في ذلك الإقليم وأثر بعضها في بعض، ووقفت على جوانب فكره المختلفة فيما يتعلق ببنيته، وبالحب الإلهي وحب الذات، والنفس والروح، وتوحيد الخالق، وصلة الحب بالحرية. وتطرقت إلى نظرية الحكيم في مراحل التاريخ الميتافيزيقي قبل الوجود البشري وبعده، إذ بين ما يسميه (يوم الميثاق) حين أخرتْ ذُريَّةٌ (آدم) قبل خلقها بربوبية الله عز وجل وتوحيده، وتطرق فيما سماه (يوم المقادير) إلى كيفية تحديد مصير كل فرد من ذرية آدم بين السعادة والشقاء، والإيمان والكفر، في الدنيا والآخرة. وتناولت أيضا أفكار الحكيم بشأن الملائكة والجن والشياطين، ووقفت عند شخصية (الخضر) الإشكالية، وكذلك وقفت فصلا من الكتاب على المفاهيم الإفريقية والمانوية والشرقية عموما بشأن الجسد البشري وعمله ومآله، وفصلا آخر على العناصر المكونة للإنسان وتطوره الروحاني، ودور إبليس في حياته. وأما الفصل السابع والأخير فقد وقفته على دراسة الجانب اللغوي في أعمال الحكيم، وكان هذا الفصل وراء ترجمتها الرائعة إلى الفرنسية لكتابه “الفروق ومنع الترادف”. وقد تميز منهج دراستها بالدقة والموضوعية وتوثيق ما تذهب إليه من مخطوطات كتب الحكيم ورسائله ومما نشر منها، ومن دراسات الباحثين الآخرين بالفرنسية والعربية وغيرهما من اللغات.
Share message here, إقرأ المزيد
الحكيم الترمذي