حين يمثل كتاب جديد على العالم تُستفز حواسنا فنشم عبير العرق، ونسمع وسوسة السهر، ونصافح يداً بيد ‏مطلق الفكر، وتبصر شياطين الشعر وأشباحه... حسب نوع الكتاب... بطبيعة الحال.‏ ‎
‎ فإذا كانت هذه متعة التهيؤ للقراءة ولهفتها...؛ فما بالنا بنعمة القراءة ومفاجآتها لكتاب مشغول بصبر النخيل ‏وتموج الرمل وقلق التحولات وتوقها...‏ ‎
‎ كتاب يتجرأ، لأول لأول مرة، في تاريخ الكتابة بالمجتمع السعودي على الحفر في سيرة الأمهات والكشف عن ‏أسرارها الغامضة والمضيئة.‏ ‎
‎ يدعو الضمائر المستترة لتُسفر عن ضمائرها الحية: بما يتجلى فيه التعانق الجسدي والروحي لنضالات ‏المعيشة اليومية الصغيرة وتشابك نسيجها الآخاذ في الإختلاف والإئتلاف، بمثل ما يكشف عن جدل العلاقة ‏وتلاحمها بين سيرة الأمهات وسيرة الوطن.‏ ‎
‎ هذا الكتاب محاولة إستلهام سيرة الأمهات شعرياً وإجتماعياً لكتابة لحظة هاربة ولحظة متحولة ولحظة في ‏التكوين، ولكنه لن يكون صعباً إكتشاف القلم والنَّفَس المشترك بين الأمهات والبنات والأبناء في كتابة هذه ‏الملحمة.‏ ‎
‎ فيا للسحر حين نستطيع، عبر لمحة مختطفة من سيرة الأمهات، لقاء كل أم وجهاً لوجه.‏ ‎
‎ سيرة الأمهات... سدرة تكتبها الأغصان... سموات تكتبها أجنحة... نشيد شعري من ماء المعلقات.. وثيقة ‏إجتماعية وشهادة حياة.‏ ‎
‎ وعبر كل نص من نصوصه تتقدم سيرة الأمهات حالة كفاح وموقف مقاومة وحلم حرية... وإستشراقاً ‏حضارياً...‏ ‎
‎ ختام... فنادراً ما كُتب إن كان قد كتب إلا ربما في القليل من الإبداع العالمي ذلك التوتر الوجودي الذي تعيشه ‏الأمهات ببساطة وعفوية تخفي طبيعته الفلسفية العميقة... وربما تضلل الكثيرين سوى الشعراء والأطفال عن ‏البحث في الأمومة كتوءم يتكون من نقيضي الأمومة كمعلمة مستقرة، والأمومة كسؤال متقلب نظراً للعائد ‏الإجتماعي في الإحتفاء بالأمومة كمسلمة، وتجاهل الأمومة كسؤال.‏