يُشير مصطلح "الثقافة الإستراتيجيّة" إلى طرق إستخدام النخب السياسية لعناصر القوة بشتى أنواعها لحماية الأمن القومي، وذلك إعتماداً على طبيعة عناصر القوة التي تمتلكها الدولة، وطبيعة المهددات الأمنية التي تستشعرها تلك النخب، حيث تتشكل الثقافة الإستراتيجيّة من مجموعة من العوامل، منها عاملي التاريخ والجغرافية، وطبيعة الهوية الوطنية والقيم والأعراف السائدة في الدولة، فضلاً عن طبيعة التنشئة الإجتماعية والسياسية للنخب السياسية والعسكرية.
تعمل الثقافة الإستراتيجيّة على ضبط سياسات الأمن القومي تجاه طيف واسع من المهددات الأمنية، وتسعى إلى ضبط سياسات الردع، وأسلحة الدمار الشامل، والحروب الوقائية والإستباقية.
وبالتالي تُعد الثقافة الإستراتيجيّة، القاعدة الفكرية والثقافية التي يمكن أن تساعد الباحثين وصناع القرار على فهم وتحليل سياسات الأمن القومي، والتوقع للنوايا الدول الأخرى في المستقبل.
حاول هذا الكتاب تتبع الثقافة الإستراتيجيّة من نظريتها الأم لـ "جام سنايدر"، ورصد تطورها البنيوي منذ العام 1977 وحتى العام 2018، مع محاولة فحص هذه النظرية ومطابقتها مع نوعين من النماذج العملية، النموذج الأول يخص الثقافات الإستراتيجية القديمة – الفارسية والإغريقية"، والنموذج الثاني يخص النماذج المعاصرة لهذا النوع من الثقافة لكل من "الولايات المتحدة وروسيا والصين والهند وإيران وكوريا الشمالية وإسرائيل وتنظيم القاعدة، مع محاولة إجراء المقارنات العلمية بين كل هذه الثقافات للوقوف على أوجه عوامل التشابه والإختلاف فيما بينها، لغرض صياغة منهجية علمية جديدة لتحليل الثقافة الإستراتيجية.