إنّ واحداً من أكبر الأخطاء المنهجيّة التي وقع فيها العقل الأصولي الفقهي هي اختزال شخصية النبي (ص) ببُعد واحدٍ وهو البعد التشريعي، في غفلة كبيرة عن سائر وظائفه وأبعاد شخصيته. فهو (ص) ليس مبلغاً للشريعة فحسب، بل هو حاكم، وقاضٍ، وخبير، ومرشد، وقبل ذلك بشر، ما يعني أنّ ما يصدر عنه من قول أو فعل قد لا يكون تلقياً عن الوحي، بل ربما كان خارجاً عن دائرة الحجيّة، كما هو الحال في بعض أفعاله الجبليّة، وقد تكون حجيته مؤقتة وليس لها امتداد زمانيّ، كما في تصرفاته التدبيرية الصادرة عن موقع الحاكمية.
إنّ هذه الدراسة تتكفل ببيان تلك الأبعاد المختلفة في الشخصيّة النبوية، مع بيان الفوارق بينها، وما يرتبط منها بالتشريع وما لا يرتبط به. وسيتبين الخلط الكبير الذي وقع فيه العقل الفقهي بحسبان ما ليس من التشريع تشريعاً.