إن كل قارئ، كيفما كان مستواه الثقافي، يجد في هذه الذخيرة "موضوعاً" للمتعة (وهذه غاية أولى) والدراسة والتأمل والبحث (وهذه غاية ثانية) والتحليق في متاهات "الخيال" العربي و"التخيل" الشعبي المبدع (وهذه غاية ثالثة).
وهناك عناصر أخرى محددة وغايات أخرى أعمق وأبعد يمكن تبيُّنها وإستنتاجها من خلال البحث الرصين، وهي تطال الإنسان العربي في كينونته وتاريخه ورؤيته للعالم، وتمثلاته الذهنية الكائنة والممكنة والمستقبلية...
لم يكن اختيار سيرة سيف بن ذي يزن بلا معنى، فهي تتميز عن كل ومختلف كتب العجائب العربية ومختلف المصنفات التي تتضمن العجائب وكل الحكايات العجيبة، ويمكن إبراز هذه المميزات مما يلي:
1-إن جل المواد العربية العجيبة التي نجدها متفرقة في مختلف المصنفات والحكايات، تجتمع هنا، وهذا ما حدا بنا إلى إعتبارها "ذخيرة" وخزَّاناً للعجائب، وكأني بمصنّف هذه السيرة، قد استثمر مختلف العجائب العربية المتداولة، ونَظَمَها، ووظفها في سيرته هاته، لذلك لا أعجب أن نجد العديد من العجائب موجودة بشكل أو بآخر، وبتحويرات طفيفة أحياناً وكبيرة أحياناً أخرى، في كتب التاريخ والجغرافيا والكونيات وكتب العجائب والليالي... الشيء الذي يجعل سيرة سيف بن ذي يزن تحقيق "تفاعلاً نصِّياً" كبيراً مع النص الثقافي العربي في مختلف تجلياته وبنياته.
2-إن مختلف هذه العجائب جاءت في قالب سردي مثير وممتع، ومتكامل (له بداية ونهاية)، وهي بهذا تختلف عن باقي المصنفات التي تقدم العجائب بشكل تقريري، أو في محكيات قصيرة ومتفرقة.
3-ما ينظم هذه العجائب في سيرة سيف بن ذي يزن، ويعضد الميزتين السابقتين ما نجده كامناً في طبيعة النص وبطله في آن واحد، فسيرة سيف بن ذي يزن تنقلنا إلى حقبة سابقة على الإسلام (التباعد الزمني)، وبطلها يتنقل في فضاء واسع جداً (التباعد الفضائي)، وهذان التباعدان يحققان أساساً مركزياً لِتَوَلُّد العجائب وتوليدها، بعيداً عن أية مراقبة دينية أو معرفية أو علمية.