يستثيرُ اسمُ قرطبةَ في نفس كلّ عربيّ مشاعرَ جمّة من الاعتزاز المقرون بالأسى، فيجيشُ صدرُه بهذه المشاعر المضطربة حين تشهد عيناه صورا من آثار المجد الدارس بأرض هذه المدينة العريقة التي لعبت دورا هامّا في تاريخ الحضارة الإسلامية.
إنّ مدينة قرطبة من المدن القلائل التي ارتفعت إلى مراتبِ الحواضر العظمى في العالم في العصور الوسطى، فقد كسبت في القرن العاشر الميلاديّ شهرةً لا تقلّ كثيرا عن شهرة بغداد حاضرةِ خلفاء بني العباس أو القسطنطينيّة العظمى مقرِّ أباطرة بيزنطة، ولا نُجانبُ الصوابَ إذا ذكرنا أنها كانت من بين المدن الإسلامية الكبرى التي أثّرت تأثيرا عميقا في التاريخ السياسيّ والحضاريّ للإسلام في المشرق والمغرب، إذ كانت حاضرة الأندلس زهاءَ ثلاثة قرون وربع قرنٍ من الزمان لعبتْ خلالها بأوتار السياسة في اسبانيا الإسلامية والمسيحية على السواء، كما تحكّمت إلى حّد ما في المصايرِ السياسية للإمارات والدول التي كانت قائمة في المغرب، وعلى الأخصّ الدولة الفاطمية وإمارة الأدارسة.