يُعَدُّ هذا الكتاب انعطافًا مهما في مقاربة "ألف ليلة وليلة"؛ إذ يُزيل الغبار عما لحق بها من سوء الفهوم، ويكشفُ عن الضرورة التاريخية التي تتخفى وراء إنتاجها ولم يُتنبه إليها؛ فإذا كانت تثير حولها إشكالات لا حصر لها تتصل بأصلها، وهُويَّتها، وتكونها، والطرائق الملائمة لفك طلاسمها، فإنّ ما يُسوّغ وجودها ظل مستعصيا على الفهم، وليس هذا المستعصي سوى الأطروحة التي تكمن خلف الغاية من تشكلها التاريخي، والتي تفتح سبيلا سالكا إلى النفاذ إلى مغزاها العام.
ولعل طبيعتها الإشكالية هذه جعلت أغلب الدراسات التي تناولتها بالدرس تقع في فخاخ سوء الفهم لأسباب تتصل بعدم نقد الميتا- ذاكرة المعرفية التي تنطلق منها، بما يعنيه هذا من عدم مراعاة السياق الثقافي الذي تولدت فيه الحاجة إليها بوصفها نصا ديناميا مفتوحا على تقلبات الزمان العربي. وقد كان منتهى الغاية من هذا الكتاب ماثلا في بناء رؤية مغايرة أكثر صلابة لمجاوزة الثغرات السائدة في مدارسة "الليالي"، وفهمها؛ بما يُعيد إليها ما انتزع من حقيقتها، لا في هيئة إصلاح عطب، ولكن في هيئة تحرير الخفي فيها، ورفع العي عن لسانها الذي أصابَتْهُ عملية تصميت قصدًا أو من غير قصد. وقد انصب اهتمامنا في الغالب على الحكاية - الإطار لأهميتها في فهم تكونها، وفهم الدواعي الأنطولوجية الكامنة وراء عمليتي التسرد والتسريد، التي تحكّمت في تشكيل الكلمة السردية ورسم وجهاتها، بما يقتضيه عمل من هذا القبيل من حفر في المتخيل الرمزي المتحكم في الحكايات المروية في المتن الليلي، وربط كل هذا بالحكاية غير المروية التي ظات الحكاية الإطار تلمح إليها، ولم تفلح العصور القرائية المختلفة في التنبه إليها.
Share message here, إقرأ المزيد
الذاكرة المقنعة في ألف ليلة وليلة