حملت ظاهرة الإعلام الفضائي إلى المجتمعات العربيَّة - على تنوّعها - جملة من الظواهر، كان من أبرزها ظاهرة تلفزيون الواقع، التي شغلت الباحثين، ومختلف الأوساط الفكرية والشعبية، حيث تراوحت مواقفهم بين الإستحسان والإمتعاض والإستهجان، ما أفرز إشكاليات عديدة.
ولقد اهتمت معظم الدراسات بمظاهر الإغتراب الثقافي، وازداد إهتمام الباحثين خلال النصف الثاني من القرن العشرين بدراسة هذه الظاهرة التي انتشرت بين الأفراد في المجتمعات المختلفة، وربَّما يرجع ذلك إلى ما لهذه الظاهرة من دلالات، تعبر من أزمة الإنسان المعاصر، ومعاناته، وصراعاته الناتجة عن تلك الفجوة الكبيرة، بين تقدم مادي يسير بمعدل هائل السرعة، وتقدم قِيَمي ومعنوي يسير بمعدل بطيء، الأمر الذي أدى بالإنسان إلى النظر إلى هذه الحياة وكأنها غريبة عنه، أو بمعنى آخر، الشعور بعدم الإنتماء إليها، وبما أن الإغتراب ظاهرة إجتماعيَّة المنشأ والجذور، فأعراضها نفسية سلوكية، تظهر في مساوئ توافق الإنسان مع واقعه المعاش، بشكل يصبح الإنسان فيه غريباً عن ذاته، وعن واقعه؛ فالإغتراب ظاهرة إجتماعيَّة لا سبيل لدراستها بمعزل عن البعد النفسي، وهي أيضاً، ظاهرة نفسية، لا سبيل لفهمها إلاَّ من خلال حاضنتها الإجتماعيَّة، فضلاً عن بروز نوع مهم من أنواع الإغتراب يتمثَّل بالإغتراب الثقافي الذي تظهر ملامحه بشكل واضح على فئة الشباب.

ومن هنا، يحاول هذا الكتاب كشف الغموض الذي يحيط بنوع العلاقة، ودرجة الإرتباط، ومستواها بين تعرض الشباب الجامعي لبرامج تلفزيون الواقع وبين مظاهر الإغتراب الثقافي الناجمة عن هذا التعرّض، عبر ثلاثة فصول، الأول حمل عنوان: "نشأة وتطوّر تلفزيون الواقع وخصائصه"، واحتوى على نشأة وتطور تلفزيون الواقع وخصائصه، وأنواع برامجه، وكذلك سلَّط الضوء على تلفزيون الواقع في الفضائيات العربيَّة وعلى الثقافة التي تطرحها تلك البرامج، فيما تناول الفصل الثاني الذي حمل عنوان "الإغتراب الثقافي، المظاهر، والأسباب"، مفهوم الإغتراب ونشأته، وأبعاده، ومراحله، وأنواعه، والإغتراب الثقافي، وخصائصه، والأسباب المؤدية إليه، أما الفصل الثالث، فكان مخصَّصاً للتطبيقات العملية والدراسة الميدانية، ونتائج إستمارة الإستبيان على عيِّنة من أفراد طلبة جامعة بغداد.

وقد رسم هذا الكتاب في نتائجه حدود العلاقة بين برامج تلفزيون الواقع ومظاهر الإغتراب الثقافي عند الشباب الجامعي ونتائج الدراسة.