يظل موقع الدين وحدود أدواره في المجال العام مثار تباين في تطبيقات مختلف التجارب السياسية بين الدول، بل وفي الدولة نفسها باختلاف أنظمتها، وهو ما يشير إلى أزمة مزدوجة: تتعلق أولًا بالتفاعلات بين الفاعلين السياسيين بمستوياتهم المتعددة؛ لأدوارهم وأدواتهم وتشريعاتهم، ومنها ما يتعلق بطبيعة المجتمعات وحدود تطور مختلف مكوناتها الاقتصادية وخطابها، وتأثير ذلك في فلسفة النظم الحاكمة تجاه طبيعة حضور الدين، وسبل إدارة ذلك الحضور مجتمعيًا وسياسيًا.
مثل بيان الثالث من يوليو 2013 والمصاحب بإنهاء التجربة السياسية لجماعة الإخوان المسلمين في الحكم بداية لتأسيس جمهورية جديدة في تاريخ الدولة المصرية في ظل فلسفة مختلفة تجاه وضع الدين وتطبيقاته في الحياة السياسية. انعكست على سلوك الدولة المصرية تجاه الدين وأدواره وتفاعله الرسمي وغير الرسمي مع سابق ممارسات الدولة المتعلقة بالعمل على إعادة السيطرة للدولة المركزية، وإعادة إنتاج الأطر الدستورية الحاكمة، بهدف الضبط والرقابة وضمان التنفيذ لسياسات الدولة العليا دون رغبة من فاعلين اجتماعيين أو دينيين في وجود مساحات مستقلة قادرة على التمرّد على سلطة الدولة ومصالحها العليا.
ينطلق هذا الكتاب من المهتم الديني في صناعة الحالة الدينية لعموم المجال المصري عبر تحليل ممارسات الدين الرسمي المجمل في مؤسسة الأزهر ودار الإفتاء الرسميتين، في المقابل ممارسات فاعلين دينيين ينتمون لجماعات الإسلام السياسي بمختلف أطيافها، وتاريخهم الممتد منذ منتصف القرن العشرين، لينحصر في هذا العجز التفاعلي بين الفاعلين -الرئيسيين- الرسميين وغير الرسميين تجاه إدماج الدين في ترتيبات السلطة بعد 2013 نتيجة تباين مسارات كُلٍ من الفاعلين والسلطة تجاه الدين ووجوده، فيما يبدو أن الأدوار الذاتية المستهدفة لتحقيقه، أو في حدود قدرة الفاعلين الدينيين التكيف مع تحديات النظام الجديد.