تكمن أهمية هذه الرواية في توثيق مرحلة مفصلية من تاريخ بغداد العاصمة، والعراق عموما، وذلك من خلال استعادة منطقة زالت عن الوجود ولم يبق سوى اسمها يتردد في أذهان قاطنيها جيلا بعد جيل. وهي منطقة الشاكرية، الواقعة في الأرض الحالية للمنطقة الخضراء على ضفاف كرخ نهر دجلة. سكن تلك الجغرافيا البعيدة فلاحون، وعمال، وباعة فقراء، وحالمون قدموا ذات يوم من المناطق الجنوبية هربا من ظلم الاقطاع، ومن حياة البؤس والفاقة ليستقروا في صرائف، وبيوت طينية، وأزقة موحلة. ويأخذنا الراوي، الفتى أمين، إلى اليوم الأول لتبليغ سكنة المنطقة بتمليكهم أراضي للسكن في منطقة نائية تقع في الرصافة. وهي ما عرفت لاحقا بمدينة الثورة. وكان الزمن في نهاية حكم الزعيم عبد الكريم قاسم والعهد الجمهوري. وعبر حوارات، وسرد رشيق، وسريع، مصطبغ بالمحلية الفريدة، يستعيد الكاتب فضاء تلك الفترة عن طريق الألعاب، والطقوس، والأساطير، وتفاصيل الحياة اليومية وهي تخضع للتطورات السياسية والأجواء الحزبية ونمط العلاقات الأسرية لبيئة فقيرة. كانت تعد العدة للرحيل عن الشاكرية نحو مصيرها المجهول. ويدمج الكاتب تلك المرحلة المفصلية من حياة هذا التجمع السكاني بما حدث في تلك السنة، أي الإنقلاب العسكري الذي أطاح بحكومة عبد الكريم قاسم في ما عرف بانقلاب شباط، حيث دخل العراق مرحلة دموية من التصفيات الحزبية، والمؤامرات اليومية، لا في بغداد العاصمة فقط بل في عموم الوطن. وكل ذلك تضيؤه الرواية عبر ما كان يجري بين سكان هذه المنطقة، وكأنها شريحة مصغرة للعراق كله. الرحيل عن الشاكرية، وتأسيس مدينة الثورة، هو الخط التطوري لرواية ذات أهمية استثنائية، كون كاتبها شاعرا إشكاليا هو كريم العراقي، وشخصية معروفة في بيئة الثقافة والسياسة. وكان جزءا من تحولات قاسية عاشها المجتمع العراقي في العقود الأخيرة.