وقفتُ على تبّة النويري أنظر شمالًا . بدت المدينة مثل عصف مأكول، أو مثل وشم درس، رأيت الداس تسير فوق الحسر: يتدافعون مثل حجيج في الطواف، بتناثرون أسفله على ضفاف الوادي ويمشون فوق لماء، يجملون بعض أمتعتهم وبقايا الأحلاء لني تحطمت في تيه النزوح، رأيتهم يعودون إلى اللاشىء الذي تركته الحرب لهم، وكل شيء لم تتركه لهم. رأيتهم كلهم مثلما كنا نسير في الجنازة خلف الستَّ حليمة متعبين بغرقون في سحابات أمانيّهم الّتي نفيض ولا تمطر.
أقف الآن على التبّة أكش عن رأسي كل الشهور القاسية والذكريات المرهقة، عمّا قلمل سأفعل مثلهم وأهبط الطريق ثمَ أسير فوق الجسر، ثمّ أعبر شارع الرشيد وأدلف في الطرقات بين العمارات المهدومة، وأطل من النوائذ المعلقة في الفراغ لعلي أرى شيئًا من الماضي، أو لعلي أبصر قيًا من القادم.
لو أنني ساحرٌ أبعث المدينة من الموت، فتنهض البنايات، وتلتلم جروح شرفائها، وتركض الشرارع، وتنشكل الطرقات مرّة أخرى.
Share message here, إقرأ المزيد
القبر رقم 49