يتوقف هذا الكتاب عند خبر "الثورات" العربية في الحقبة العثمانية المتأخرة، بين نجد والقاهرة وجبل لبنان وحلب وتونس والجزائر وغيرها، مبيناً بشكل خاص إلى مشاركة العوام في هذه "الثورات"، وإلى تطلع هذا الحراك صوب إدارات "بلدية" محلية، وبديلاً عن الولاية والسلطنة. هذا ما أخرج السياسة من منظورها الإسلامي القديم، ومن إطارها السلطاني والأمير-طوري، الذي انبنى في غالبه، وفق المعادلة التالية: "الخليفة" من جهة الدلالات الحاكمة، و"الطاغية" من جهة المحكومين.
إلا أن هذه "الثورات" قامت وانطفأت، فيما بقيت السياسة عصيّة الدوران، بل عصيّة. فانحصرها انحصر في أحداث عصبيات وعاميات واستقلالات، قصيرة أو ممتدة ضد الحاكم والحكم، من دون أن تنبثق أو تحمل معها تفجرات وتشكيلات اقتصادية واجتماعية متغيرة. هكذا باتت "الثورات" حراكاً وربما تغييراً ممكنكناً، وانتظام السياسة متخلفاً عن جماعات ومجتمعات تحكمت بها بنية تقليدية متقادمة، وفي دورة من التناول التجاري والزراعي، والحرفي، المحمود والمضمون، أمام ارتجافات "الرأسمالية الأوروبية". هذا جمع في هذه الأوضاع بين الخشية من الخارج الاستعماري، وبين الرغبة في التحرر الداخلي، وهو ما انتهى إلى "إخراج" الولايات العربية من عثمانيتها إلى استعماريتها، فيما خرجت ولايات عثمانية أخرى (بما فيها تركيا نفسها) إلى "كيانات" بلدية مستقلة ودستورية.
يوسع الكاتب شربل داغر (لبنان) نطاق البحث في هذا الكتاب، فيتناول التشكيلات المتأخرة من نهايات الحقبة العثمانية، وبين دخول الولايات العربية في عهد استعماري وطالب للاستقلال في الوقت عينه. بعد العربية والعثمانية"، وظهورات "القصيدة العصرية" و"الرواية العصرية"، وغيرها، يدرس داغر "الظلم" السياسية العربية (العثمانية) المستعادة، ويتناول تعبيرات الخطاب السياسي بين "العمومية" والغيب المرعية"، ويبين تشكل الأجهزة السياسية بين السياسيين الأولى، ومعالج العلاقات بين الاجتماع المدني (العمراني كما الثقافي) المتغير وبين تجلياته في النصاب السياسي.
