اقتربنا، بتردد، صوب جدار القضبان الفاصل بيننا وبين المعسكر. كان لون السماء النحاسي قد اختفى، وحل محله بياض منطفئ، موشح باللون الرمادي. وفي طرف الك... ون الأبعد، خفت العتمة قليلاً، موشية بقرب انبلاج الفجر. كما بدا لنا المشهد شبيهاً بشريط سينمائي، يدور حول كوكب منبوذ، مغلف بطبقات هائلة من الغيم. ها نحن، وللمرة الأولى في حياتنا، نشاهد ثلجاً: ثلجاً على هيئة صفائح شاقولية وافقية، منتشرة في كل مكان. وما سمح لنا بالتملي في الرؤية، توقف الريح عن الحركة، وكأنها هي الأخرى قد جمدت، وتحولت إلى جليد لا مرئي. كانت أطراف شجرة التوت، ساكنة، بجلاء، مغروزة في أحشاء الفضاء المتكلسة، تنطلق منها، بين الفينة والأخرى، بضعة غربان، فتحلق قليلاً حول الشجرة، ثم تستقر فوقها بعد أن تنفض عنها نثار الصقيع.