وهو بحث قيم للشيخ رحمه الله وقد نقلنا من مقدمة الكتب ما يتعلق بموضوع البحث وأهدافه وسبب اختياره"
* موضوع البحث: "ولست أقصد في هذا البحث إلى الكلام عن فلسفة ابن رشد في شتى نواحيها، والتصدي لإبراز مظاهر التجديد في مذهبه، فإن ذلك مما لا ينفرد به بحث كهذا.
وإنما سأتجه في بحثي هذا اتجاهاً خاصاً، أتناول فيه ظاهرة واحدة من ظواهر هذا التفكير الحر والنظر المستقل، وهي "نظريته في الخلود وصلتها برأيه في وحدة الوجود"
* سبب اختيار هذا الموضوع: "وقد بعثني على أن أهدف إلى هذا الغرض دون سواه من أغراض تلك الفلسفة:
أولا: ما رأيته من غموض مشكلة الخلود عند ابن رشد، وعد البت فيها برأي قاطع من الباحثين والمفكرين.
ثانياً: ما كان لرأي ابن رشد في وحدة العقل التي هي مظهر من مظاهر وحدة الكون من أثر بين ونفوذ قوى في الأوساط المسيحية الأوروبية حتى اعتنق هذا الرأي كثير منهم وأعجبوا به مما أثار حافظة كبار اللاهوتيين المفكرين منهم، فقد قام القديس توماس الأكويني بوضع رسالة في وحدة العقل، رد فيها على ابن رشد وفند رأيه في ذلك، وإنما كان ذلك لأن هذه النظرية لم تكن معترفا بها من وجهة النظر الدينية عند المسيحين".
وثالثاً: أن هذه الوحدة العامة، لتفرق شواهدها في ثنايا فلسفته، لم تتجه إليها أنظار دراسية، ولم يضعوها في صفوف نواحيه البارزة رغم ارتباطها بمعظم عناصر تلك الفلسفة، ومساسها بأغلب مسائلها، وبروزها في أقواله عن أى مسألة من تلك المسائل. تلك هى أهم الدوافع التى حدت بي إلى تخصيص هذه الناحية بالبحث.
* غاية البحث: "أما غايتي من هذا المبحث فهي محاولة الفصل في مشكلة الخلود على ضوء ارتباطها بوحدة العقل، وتحقيق تلك الوحدة مستبطاً شواهدها وأسانيدها من كلام ابن رشد نفسه.
ولعلنا نلجظ أن هذا الهدف يستتبع أهدافاً أخرى رئيسية، فسنضطر في طريقنا إلى اثبات الوحدة العامة في مذهب ابن رشد، ثم إلى اثبات وحدة العقل الإنساني كنتيجة لتلك الوحدة العامة، ثم التدرج من ذلك إلى رأى ابن رشد في الخلود كنتيجة لرأيه في وحدة العقل الإنساني.
وإذاً فأهدافنا على طريق الإجمالي والتدريج هي:
تحقيق رأيه في وحدة الكون، وفي وحدة العقل، ثم شرح مشكلة الخلود، ومحاولة حلها على ضوء ذلك.
ولعلنا كذلك نلمس من هذا أن مشكلة الخلود متعلقة بوحدة العقل، وهذه بدورها متعلقة بوحدة الوجود، ولا يممكننا أن نتناول رأيه في وحدة الوجود إلا إذا ألممنا بفكرته في ذلك الوجود، ثم برأيه في الإله، ثم بتفصيل العلاقة، وتوضيح الصلة بين الإله والوجود".