بين عدالةِ الرغبةِ التي نقطفها انفراداً والرغبةِ في عدالةٍ تقطف لنفسها كلَّ الكائنات التي لم تختر في أصل الوجود وجوداً لها أو عَدَماً، بين هذه وتلك أتشبّث بدانتي أن يقف معي، مرابطاً مثلي للغيب، رَصَداً مثلي عليه، فالمعارك التي خضناها كنّا في رسالة الغفران وفي كوميدياه الإلهية، التي كان شرحها لي وأسهب في مسيرة الأربعين سنة من زمن القيامة حتى لكأني قرأتُها مرّات ومرّات، المعاركُ الشعريةُ والنثريةُ تلك لم تكن إلاّ محاولاتٍ لنا في استكناه التجربة البشرية والانتفاضِ على نقائص الخَلْقِ فيها بجرِّ البعض إلى فنونٍ من التعذيب وكأنّ خضوعهم لها كان سيغيّر مسارَ الكون أو سيمنح فكرةَ الوجود معنى أوسع ممّا منحه إيّاه إلهُ الساميّين. شيءٌ فيَّ يحدّثني بأنّ الوجود بحدّ ذاته، إنْ لم يكنْ هفوةً من هفوات الغيب، فهو بكل نوازعه وتضارباته القيمةُ والمعنى اللذان خارجهما لا ينبغي أن تنبت فكرةٌ للعدلِ الذي يفتّتُ ويجزّيءُ ويصنّفُ ويقيّم وعلى أساس ذلك يعاقب ويثيب، وكأنّما الخاصّةُ من خصائص الوجود لها في الأصل قيمةٌ ومعنى خارج سياق التناقض والتضارب والتلاطم والتلاحم الذي يجعل منها كلّها كلاًّ حيّاً فريداً.
Share message here, إقرأ المزيد
الرحلة نحو الفجر