أن علم الفقه علم واسع جداً، عميق الغور، بعيد المنال، يحتاج فيه الباحث إلى حافز قوي للاستمرار في الطلب والتغلغل في الأعماق كلما شعر بالفتور والملل ولا سيما في زمان كثرت فيه الهموم وفترت فيه الهمم وانشغل الناس فيه عن طلب العلم إلى الضعف والتنافس والتفرق والتنازع والتشاغل بجمع الأموال وحفظ المناصب حتى ساد من ساد واستبدّ من استبد ، فنسأل الله سبحانه وتعالى أن يهيّأ من يعيد للأمة مجدها ويحفظ كرامتها.
وانطلاقاً من الشعور بالمسؤولية في هذا الجانب، ووفاء لمن بذل الغالي، والنفيس من السلف الصالح أحببتُ أنْ أدلو بدلوي الضعيف لأشارك في خدمة شريعتنا السمحة، ولهذا ولغيره وقر في صدري أنْ أدخل مضمار التحقيق، وبفضل الله عزّ وجلّ اخترتُ كتاب “تنبيه الإفهام على معاني عمدة الحكام” للقطب الصمداني أبي حنيفة الثاني عبد الغني إسماعيل عبد الغني النابلسي الحنفي ت 1143هـ، فكان نصيبي من الكتب بعد تقسيمه كتاب العتق، وكتاب الأيمان، وكتاب الحدود، وكتاب العُشر والخِراج، وكتاب الآبق، وكتاب الشركة، وكتاب المضاربة، وكتاب الوقف، وكتاب البيع، وباقي الكتب كانت من نصيب زملائي الآخرين.
هذا، وقد واجهتني في العمل صعوبات جمّة بعضها مما يعرض لغيري مما اضطلعوا في التحقيق، وبعضها استثناء قاهر أخطرها ما تعرّض له بلدي بلد الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام والأولياء رضي الله عنهم من احتلال همجي غاشم وما تركه هذا الاحتلال من ظلال قاتمة على الأنشطة العملية والعلمية، وما تبعه من حرق المكتبات وضياع الكتب النفيسة ونهب المخطوطات القيمة فبات من الصعوبة الوقوف البعض من المصادر، وكذلك إغلاق المكتبات التي تضمّ المخطوطات القديمة التي ينبغي الرجوع عليها في التحقيق.
تحقيق عبد المحسن طه يونس العبادي