التاريخ، كما وصفه أحد الفلاسفة، ليس مرآةً صافية تعكس الماضي، بل هو نافذةٌ مشروخة، كلما اقتربتَ منها لترى الحقيقة، بدت لك أوهامٌ جديدة تحجب الرؤية. وتاريخ الدولة العثمانية تحديدًا ليس فقط مثالًا على هذا التشوّه، بل هو النموذج الأكمل على كيفية صناعة الأسطورة، وتدويرها، وتلميعها، ثم تصديرها للأجيال بوصفها "الحقيقة"، وما هي إلا سردية مُفخّخة بالسلطة، ملغّمة بالعاطفة، ومُهندسة بخبرة فريدة في إنتاج "القداسة السياسية". ليس من الغرابة أن يكون العثمانيون قد بنوا دولتهم بالحديد والنار، فهذه سُنة الدول الكبرى. لكنّ الغريب هو أن يُكتب تاريخهم بمنطق "الفاتحين الأتقياء"، وهم – في أكثر مراحلهم – لم يتورّعوا عن التنكيل بالشعوب التي أخضعوها، ولم يتردّدوا في تدمير معالم الاستقلال الذاتي لكل منطقة دخلوها، باسم الطاعة للخليفة، أو نصرة الإسلام، أو الحفاظ على الجماعة. فأيّ جماعة تلك التي يُباد فيها أهل مصر على يد جنود السلطان؟، وأيّ خلافةٍ تلك التي تُنتهك في ظلها حرمة المسجد النبوي وتُقصف الكعبة بمدافع من يدَّعون أنهُم يحمون المُقدَّسات؟
Share message here, إقرأ المزيد
الدولة العثمانية : تفكيك أسطورة التاريخ المقدس