يوضّح علاقة الجدل بالبرهان في نصوص فلسفية عربية، وتراثية مبكرة وكلاسيكية متنوعة، ومختلفة: منطقية، ميتافيزيقية، طبيعية، كلامية ومدنية؛ إذ يبدو لدى جزء من الباحثين والدارسين غياب اللقاء الناجع بين الجدل والبرهان، ولقاؤهما يعني خصومة تاريخية، وفشلًا على غرار لقاء ابن رشد بمحيي الدين بن عربي. فالجدل عند المتكلمين هو أداة لتحقيق النصرة والغلَبة، وتزييف آراء الخصوم كما قال الفارابي، وهذا يعني أن المتكلمين لم يستعملوه كما ورد عند الفلاسفة والمناطقة، وعجزوا عن بناء نظرية فيه. لقد كان الجدل عندهم سبب هاجس البحث في الوجود الإلهي. أما البرهان الفلسفي فهو اللقاء الناجح بين الجدل والبرهان، وهدفه بيان أن الأفعال الطبيعية والإنسانية تبقى مستقلة بذاتها، ووظائفها على أساس الكلية والسببية والضرورة؛ فهذا التصور العلمي-البرهاني هو الطريق إلى تأمل الوجود، والعمل على إعطاء حرية الإنسان ضمن المعقولية والقوانين. كما أن هذا الكتاب لا يقدّم سرديات جديدة للخروج من المآزق الفكرية والأيديولوجية فحسب، بل يبيّن أن الجدل عند الفلاسفة أداة برهان للوصول إلى اليقين والحق ومعرفة الوجود؛ وهذا يعني أن توسّلَ البرهان الفلسفي بمفاهيم مثل الأعرف عندنا والأعرف عند الطبيعة ودليل السبب ودليل البرهان في علم ما بعد الطبيعة، نقدٌ مباشر وصريح لأطروحة قياس الشاهد على الغائب.