يصاحبُ الروائيّ الأسير، باسم خندقجي، البطل الصوفيّ بدرَ الدين في رحلة تمرُّده، مقارعاً الفسادَ ووعَاظَ السلاطين، مثقّفاً متسائلاً: ما فائدةُ العلم بلا كرامة؟ مدركاً "أنَّ النور لا يُحبس في الولاء"، رافضاً التذلُّلَ ولعبَ دور الببغاء، لكنَّ بدر الدين هذا، هو إنسان، قبل هذا وبعده؛ إنسان لا ينجو من الإنقلاب على نفسه، حين تداهمه خسائرُ الفقدان؛ وإنسانٌ حين يعود ويلملم شتاتَ نفسه متحدَّياً نفسَه والعالم المظلم، فيخرج من الذاتيّ ويوغل في التاريخ الموازي وأحوال ناسه: من القاهرة بسحرها وغناها وعلْمها ومؤامرات قصورها، إلى تبريز، مروراً بأماكن أخرى وبشر.
يتأمَّل باسم خندقجي في هذه الرواية التاريخيَّة معنى القوَّة في معادلة العدل، ومعنى النصر في ظلِّ الدمار وسفكِ الدماء، يتأمَّل الشغف، العلْم، النور، الرؤيا، الحبّ، وحال البشر في تنوُّع أجناسهم وأحلامهم وأديانهم، وطموحات تلتهم أصحابها كما يلتهمون أعداءهم.
أن يذهب شاعر وروائيّ فلسطينيّ مثل باسم، على الرَّغم من ظلمة زنزانته، لعناق النور في روح متصوِّفةٍ، وعناقِ التسامح والحبِّ والجمال الذي يملأ قلبَ بدّر الدين وقلوبَ مريديه، فإنَّ ذلك يعني أنَّ السجّان لن ينتصر، على الرَّغم من كلِّ الوحشيّة.
وباسم، بهذا، صورةٌ لروح بطله، وشوقُ هذه الروح إلى كلِّ ما هو جميلٌ وحرّ.
إبراهيم نصر الله
Share message here, إقرأ المزيد
خسوف بدر الدين