تَلْعَبُ المَصَارِفُ الإِسْلَامِيَّةُ دَوْرَاً رَئِيسَاً وَجَوْهَرِيَّاً فِي اقْتِصَادِيَّاتِ دُوَلِ العَالَمِ الإِسْلَامِي وَالعَرَبِي عُمُومَاً، وَالمُجْتَمَعَاتِ الإِسْلَامِيَّةِ خُصُوصَاً، فَهِيَ ضَرُورَةٌ مِنْ ضَرُورِيَّاتِ العَمَلِ التِّجَارِي وَالاقْتِصَادِي المُسَاهِمِ فِي نَهْضَةِ تِلْكَ الدُّوَلِ وَالمُجْتَمَعَاتِ فِي عَصْرِنَا الحَالِي. وَلَمَّا كَانَتِ الشَّرِيعَةُ الإِسْلَامِيَّةُ المَرْجَعِيَّةَ الحَصْرِيَّةَ لِكَافَّةِ المُعَامَلَاتِ الَّتِي تُقَدِّمُهَا المَصَارِفُ الإِسْلَامِيَّةُ، وَجَبَ أَنْ تَكُونَ تِلْكَ المُعَامَلَاتُ مَبْنِيَّةٌ وِفْقَ قَاعِدَةِ: مَا لَا يَصِحُّ فِي مَقَاييسِ الشَّرِيعَةِ وَجَبَ اجْتِنَابَهُ، فَتُقَدِّمُ هَذِهِ المَصَارِفُ كُلَّ مَا يَصِحُّ شَرْعَاً وَيَتَوَفَّرُ لَهُ إِمْكَانِيَّةَ تَقْدِيمِ مُمَاثِلٍ لِمَا تُقَدِّمُهُ البُنُوكُ الرِّبَوِيَّةُ، وَتَتَجَنَّبُ تَقْدِيمَ كُلَّ مَا لَا يَصُحُّ فِي مَقَاييسِ الشَّرِيعَةِ تَقْدِيمَ مَثِيلٍ لَهُ، بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ عَوَائِدِهِ المَادِّيَّة وَدُونَ أَيِّ اعْتِبَارٍ لَهَا، وَلَا تَكُونُ سَبَبَاً فِي أَنْ يُنْسَبَ إِلى الإِسْلَامَ مَا لَيْسَ مِنْهُ. وَلَمَّا كَانَ السَّوَادُ الأَعْظَمُ مِنَ المُسلِمينَ يَرجِعُونَ فِي جَمِيعِ مُعَامَلَاتِهِم وَمَسَائِلِهِم الفُقْهِيَّةِ إِلى أَئِمَّةِ المَذَاهِبِ الأَرْبَعَةِ: الأَحْنَافِ، وَالمَالِكِيَّةِ، وَالشَّافِعِيَّةِ، وَالحَنَابِلَةِ، وَمُقرِّرِي مَذَاهِبِهِم، وَعُلَمَائِهِم، وَفُقَهَائِهِم، وَحَيْثُ إِنَّ المَصَارِفَ الإِسْلَامِيَّةَ تَرْجِعُ فِي جَمِيعِ مُعَامَلَاتِهَا إِلى المَعَايِيرِ الشَّرْعِيَّةِ لِهَيْئَةِ المُحَاسَبَةِ وَالمُرَاجَعَةِ للمُؤَسَّسَاتِ المَاليَّةِ الإِسْلامِيَّة (أَيوفي، AAOIFI) وَهَيْئَةِ الفَتَاوَى الخَاصَّةِ بِهَا، جَاءَ هَذَا الكِتَابُ لِيَتَنَاوَلَ خَمْسُ مُعاملاتٍ تُقَدِّمُها تِلْكَ المَصَارِفُ، اثْنَتَانِ مِنْهَا تَمْوِيلِيَّةٌ وَهِيَ: بُيُوعُ المُرَابَحَةِ لِلْآمِرِ بِالشِّرَاءِ وَالإِجَارَةُ المُنْتَهِيَةُ بِالتَّمْلِيكِ، وَثَلَاثَةٌ خَدَمَاتِيَّةٌ وَهِيَ: الكَفَالَاتُ المَصْرِفِيَّةُ، وَخِطَابَاتُ الضَّمَانِ، وَالاعْتِمَادَاتُ المُسْتَنَدِيَّةُ، وَاضِعَاً إيَّاهَا فِي مِيزَانِ الشَّرِيعَةِ اسْتِنَاداً إِلى الصَّحِيحِ وَالمُعْتَمَدِ عِنْدَ المَذَاهِبِ الأَرْبَعَةِ، شَامِلاً الأَدِلَّةَ وَالأُسُسَ الشَّرْعِيَّةَ الَّتِي بَنَى عَلَيْهَا كُلُّ مَذْهَبٍ اجْتِهَادَهُ فِي نَظِيرِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا، وَمُبَيِّنَاً مَوَاطِنَ الاتِّفَاقِ وَمَوَاطِنَ الاخْتِلَافِ فِيمَا بَيْنَهَا، وَمَا لِلْمَصَارِفِ وَمَا عَلَيْهَا، وَصُوَرَ التَّلْفِيقِ وَالحِيَلِ وَحُكْمَهَا الشَّرْعِيِّ حَيْثُمَا وُجِدَ فِيهَا، وَمُقْتَرِحَاً حَيْثُ أَمْكَنَ عِنْدَ الاخْتِلَافِ البَدِيلَ المُوَافِقَ لِلْشَّرِيعَةِ عِنْدَ أَيٍّ مِنْ هَذِهِ المَذَاهِبَ.
Share message here, إقرأ المزيد
المصارف الإسلامية في ميزان الشريعة : معاملات بين الواجب والواقع