"الحقيقةُ أنّا إذا وَضَعّنا في بالِنا ما بَدَأنا نَفهمُه بخصوص كيفيَّة حصول الإفتراضات المُسبَقَة والأغراض التي تُؤدِّيها، فإنَّه يَصعُبُ أنْ نتخيَّلَ كيف يُمكنُ أن توجَدَ اللغةُ الطبيعيَّةُ من دونها". - (هانز كامب)
"يبقى (الإفتراض المُسْبَقُ)، بَعْدَ تسعينَ عاماً من ملاحظات (فريغه) بشأنه، غيرَ مفهومٍ إلّا جزئياً، ويظلُّ موضوعاً مُهمّاً لدراسة التفاعل بين علم الدلالة والتادوليَّة". - (ستيفن لفنسن)
الإفتراضُ المُسْبَقَ Presupposition هو ما يَفترِضُ المتكلِّمُ صحَّتَه وصدقَه قَبْلَ أن يُصدِرَ قولتَه، فهو في أغلبة استدلالٌ تداوليُّ شأنه شأن التلويح الحواريّ implicature يولَّدُه المتكلَّمُ لا الجملةَ، وذلك بخلاف اللزوم أو الإستلزام اللذَينِ تولِّدُهما الجملةُ بغضِّ النظر عن قائلها.
في أثناء الأربعين عاماً التي أعقبَتْ كلامَ (لفنسن) المتقدِّم استحوذَ موضوعُ الإفتراض المُسبَق على اهتمام اللسانيِّينَ على نحوٍ متزايدٍ، فوُضِعَتْ نظريّاتٌ ومقارباتٌ لتحليله، ولدراسة علاقته بعلم الدلالة semantics.
وهذا موضوعُ جدلٍ طويل، لكنْ أغلبَ العلماء يذهبون اليوم إلى أنَّه أقربُ إلى التداوليَّة منه إلى علم الدلالة.
هذا هو الكتابُ الأوَّلُ الذي يُؤلَّفُ في هذا الموضوع باللغة العربيَّة، يحاولُ مؤلُفُهُ أن يُحقِّقَ هدفَين، فهو يحاولُ أوَّلاً أن يُقدِّمَ للقارئ العربيِّ المفاهيمَ والمقارباتِ الأساسيَّةَ للإفتراض المُسبَق كما ظهَرَت في اللسانيّات الحديثة في الغرب وعلى نحوٍ مكثّفٍ ومن غير تعقيدٍ، وهو يحاولُ ثانياً أن يتتبَّعَ إسهاماتِ العلماء العرب والمسلمينَ في الكشف عن الظاهرة وتحليلها وتأسيس المَنطِقِ المناسب لها، والكتابُ هو الثالثُ للمؤلِّف ضمن مشروع (التجديد والتأصيل) الذي عمل عليه منذُ عام 1992.