لا تنفصل حاجة الإنسان إلى التفكير والتعبير عن حاجته إلى منطق ينظم فكره ويحكم عبارته. ولما كنا نطلب المنطق ميزانًا للنظر ومعيارًا للعبارة، كانت حاجتنا إلى أن نختار من الموازين أكثرها قربًا من صور تفكيرنا الطبيعية، ومن المعايير أكثرها دنوًا من أنماط عبارتنا اليومية، وذلك ما لا يستوفيه "المنطق الكلاسيكي" بالشكل الكافي. يتضح ذلك من تناول مشكلة "الغموض"؛ فمع أنه سمة لازمة لأنظمة التمثيل الإنسانية، فإنه لم ينل نصيبه من النظر في تاريخ النسق العتيد إلا بمحاولات استئصاله، باعتباره عيبًا يهدد مبادئ المنطق وقوانينه.
يتناول الكتاب المشكلات الدلالية والمنطقية الناشئة عن الغموض، ويبين دورها في كشف قوانين المنطق الكلاسيكي والنظريات الدلالية القائمة عليه، الأمر الذي أدى إلى ميلاد نظريات دلالية وأنساق منطقية ما كان لها أن ترى النور لولا الالتفات المعاصر الجاد إلى هذه الظاهرة. كما يحدد الوضع المنطقي للقول الغامض، ويقدم صورة لـ "منطق الغموض" يراها الأكثر قدرة على استيعاب جل المشكلات المتصلة بهذه الظاهرة.