إن أكثر ما يشدّ الباحث في أي عمل أدبي نثراً كان أو شعراً، هو تلك النزعة الإنسانية التي تسعى إلى التوحّد مع هذا العالم حيث تتشكل كحالة وجودية تعبّر عن حقائق الكون بألوان مختلفة، تلازم الإنسان في إنسانيته فيبحث عنها في حقول المعرفة الخّلاقة حيث تتواجد كلمة أو لحن أو لوحة فنية، إذ في هذا الجوّ الرحب تتآخى الكلمة والصورة والنظرة في وحدة متكاملة، فتتفاعل معها بعاطفة توقظ حياة الدفء في أحاسيسنا ومشاعرنا، وتوقد فينا حرارة التاريخ وعبق الحضارات عبر العصور. هذه النزعة الإنسانية هي التي شدّت المحقق إلى التعمق في شعر أمير الشعراء أحمد شوقي، من خلال التوقف عند مواقفه التأملية ومرتكزاته الفكرية التي تعبر إلى التاريخ فتمجّد الحضارات كما تميّز العظماء الذين تركوا أعمالاً خالدة في العمل الإنساني الدؤوب، حيث تأثّر بهم وعرف كيف يستفيد من الثقافات، فإستنطق التاريخ ورحالاته ليؤلف فيما بينهم، وبين ما يجيش في نفسه ويتفاعل في وجدانه لكي يؤسس لمرحلة الإيمان بالقيم الإنسانية والإخلاقية التي طالما حلم أن يكون عليها أبناء مجتمعه، ليس في مصر وحسب، بل على إمتداد بلاد العرب، فإنشغل بقضاياهم السياسية والإجتماعية والإقتصادية ممتّداً كالنهر الكبير في شرايين العالم ليعيش لحظات التاريخ الخالدة.
في هذا المجال الخصب من التوحد والتألق الذهني عرف أمير الشعراء كيف يستحضر مخزون الينابيع الأصيلة التي نهل فيها من اللغة العربية التي كان عالماً بأصولها، واسع الإطلاع على قواعد البلاغة فيها عارفاً مفرداتها التي ساعدته في تخيّر قدراته بتجربة الخبير في جواهر اللغة ولآلئ المعاني التي أسست له هذا الصرح العظيم الذي منحه القدرة على توليد المعاني وتجديد العبارات الشعرية، من هنا يشير المحقق بأن النواحي التي أراد التأكيد عليها في عمله هذا الذي تناوله في تحقيق "الشوقيات" والأهداف الرئيسية التي سعى إليها هو أن ترقى هذه الطبقة إلى المستوى اللائق بشعر أمير الشعراء، وذلك من عدة أوجه ترتكز من جلائها على النص الأدبي والتعامل معه من خلال التدقيق والبحث، وبقراءة متأنية عن الأخطاء اللغوية والتي سببها النقل عن المسودات، إضافة إلى الأخطاء المطبعية والأخطاء التي تشكل خللاً لوزن الشعر، ثم إعادة النظر في شكل القصيدة خاصة في تطري البيت الواحد فيما بينها، ثم تحليل أوزان بحور الشعر، ثم تشكيل المقردات وخاصة القوافي ثم شرح المفردات حيث تدعو الحاجة بشكل يتناسب مع أهمية القصيدة، ثم وضع عناوين للقصائد التي أغفل وضع عناوينها.