بعد انقضاء خمسة وثلاثين عاماً على رحيل الزعيم العربي جمال عبد الناصر، فإن كل ما يتعلق به لا يزال يثير الجدال، وفي كثير من الأحيان ما يكون جدالاً حاداً. ذلك أن أنصار عبد الناصر يؤيدونه بكل قواهم ومشاعرهم، وخصومه ينتقدونه بالدرجة نفسها من الحدّة. ومن هم وسط بين هذا وذاك حالات قليلة نادرة.
وهذا الكتاب من شأنه أن يثير جدالاً من هذا القبيل، لأنه يحتوي على العنصرين معاً. فالكاتب لا يخفي حبّه العميق لعبد الناصر، وهو مع ذلك يذهب في نقده لسياساته وقراراته والتطورات التي طرأت على شخصيته بفعل الأحداث إلى آماد بعيدة مقدماً –للمرة الأولى- مزيجاً فريداً، لكنه إنساني في عمقه ومخلص في محاولته لتحليل موقع هذا الزعيم داخل إطار مجتمعه، وأمته، والعالم الذي عاش فيه وصارعه.
الكتاب حافل بمعلومات كثيرة، واستنتاجات أكثر. بعضها جديد لم يسبق أن عالجته السير السابقة-العربية أو الأجنبية- لعبد الناصر، قد لا يتفق مع ما يراه أنصاره ومريدوه، أو يتصادم مع قناعات خصومه وناقديه.. كتاب يفتح أبواباً كثيرة لمناقشات مهمة في الديمقراطية والإصلاح والعدالة الاجتماعية والمجتمع المدني والقومية العربية والوحدة.. وكلها قضايا اللحظة الراهنة في الوطن العربي، مع أنه يغادر الاهتمام بعبد الناصر في صفحة واحدة من البداية إلى النهاية.
لعل أهم ما يتناوله هذا الكتاب –من خلال متابعته لسنوات، بل أيام عبد الناصر- هو قضية الوحدة العربية كما عاشها وتفاعل معها في انتصاراته وإحباطاته وهزائمه. هنا يتميز الكتاب برؤية للمؤلف لها خصوصيتها... ولها زخمها أيضاً؟
وأخيراً فإن هذا الكتاب عن جمال عبد الناصر هو في الوقت نفسه كتاب عن الحقبة منذ ظهوره على مسرح الحياة القومية، عن الوطن العربي من سنوات ما قبل عبد الناصر، وحتى الآن. لقد وضع عبد الناصر في السياق الوطني والقومي والإقليمي والدولي... ربما كما لم يفعل أي كتاب آخر عنه. ليس فقط لأنه يمتلئ بتفصيلات كثيرة ومعلومات غزيرة... إنما لأنه كتب بعواطف حارة قوية وتدفق بتفصيلات كثيرة ومعلومات غزيرة... إنما لأنه كتب بعواطف حارة قوية وتدفق يمتزج فيه العقل والجدان ويؤثر في كلا الاتجاهات. يتحيز لعبد الناصر، وبصدق أيضاً وهو يلقي عليه اللوم غير مكتف كغيره بتوجيه الاتهام. وربما –لهذا- تفوقه على سير عبد الناصر الأخرى العديدة. وربما لأن المؤلف انتظر لنحو 32 عاماً ليكتب هذه السيرة، فاستوعب ما جرى طوال سنوات غياب عبد الناصر وتأثيرات هذا الغياب، كما استوعب ما كتب عنه وما لا يزال يرويه بعض صحبه الذين بقوا على قيد الحياة، وما يشهد به أولئك الذين صادقوه فعرفوه عن قرب. وهو –المؤلف- مع ذلك لم يأخذ أي قول أو شهادة أو سيرة مأخذ التسليم، مع أو ضد.
إن هذا الكتاب يفتح أبواباً كثيرة لمناقشة مهمة في الديمقراطية والإصلاح والعدالة الاجتماعية والمجتمع المدني والقومية العربية والوحدة... وكلها قضايا اللحظة الراهنة في الوطن العربي، مع أنه لم يغادر الاهتمام بعبد الناصر في صفحة واحدة من البداية إلى النهاية.
Share message here, إقرأ المزيد
جمال عبد الناصر آخر العرب







