بدأتُ البحث عن المواقف الفكرية والسياسية لأصحاب الحديث في العصر العباسي الأول لعلّي أظفر بتفسير تاريخي مقنع لخلفيات الصدام بينهم وبين العباسيين في زمن المحنة، وغالب ظنّي أن ما نالَهم من الأذى كان بسبب مواقف سياسية بعدما قرأت مجموعة من الكتب لمؤلفين معاصرين ألقوا هذه التُهم على أصحاب الحديث واستخرجوا لها شواهد غير مباشرة، وكنت أظن أني سأظفر بشواهد مباشرة تسلط الضوء على نشاط تجاوز النشاط الفكري إلى السياسة، ومع البحث تبين لي أن لا أدلة على نشاط سياسيٍ أو تنظيمي بل قصارى الأمر أن المكانة الاجتماعية لأصحاب الحديث، ومبادئهم الثابتة أمام تقلبات الفكر والسياسة وراء متاعبهم، وأن موقف الخلفاء العباسيين المأمون والواثق خاصةً كانت مواقف فكرية أيضاً وليست سياسية. في الجانب الآخر كانت مواقفهم من مقابليهم في الفكر مواقف علمية مرِنَة إلا عندما يتجاوز الأمر إلى العقيدة فتنقلب المرونة إلى حدّة ظاهرة دفاعاً عن العقيدة لا عن أنفسهم، حتى جاءت الفِتنة فقلبت الأمور رأساً لعقب. أمام هذا وذاك وكباحث حاولت السير مع الحقيقة التاريخية والدفاع عنها وليس عن أصحاب الحديث، وإن خالفت ما كنت أتصوره ابتداءً. ويبقى النص مطواع لمن يكتب، وحمّال أوجهٍ لمن أراد الكتابة الموجّهة نحو هدف ما، وتبقى الحقيقة التاريخية واحدة رغم كل ذلك.
Share message here, إقرأ المزيد
أصحاب الحديث والعباسيون : شرف المكانة وتقلبات السياسة