لقد أبهرنا الروائي المبدع والناقد هنري ترويا بسلسلة من الدراسات التي تناولت أعلام الأدب الروسي في القرن التاسع عشر بدخوله إلى عالم هؤلاء الأدباء واقتحام خصوصيتهم تفردهم وتحليل أعمالهم الخالدة وكشف أسرار عبقريتهم.
وهذا الكتاب واحد من هذه السلسلة الرائعة إذ هو إبحار عذب في محيط دوستويفسكي الصاخب، وعبور متان في محطات حياته الرئيسية، ونقض للمؤثرات التي كانت وراء عبقريته ونبوغه، فكشف لنا كان يحتضنه في داخله من عوامل الضعف والجمال الإنسانيين، الشيطان والقديس في أن معاً ويوعي متساو، إذ تبرز هذه الثنائية في كل أعماله، فهو المتأرجح بين نسقي الحسي والروحاني، وهو الذي جهل مبادلنا وثوابتنا ومقدساتنا تهتز وتتأرجح، والأرض تنزاح تحت أقدامنا لنجد أنفسنا أمام الهاوية، فيشنا من نومنا المريح لنستيقظ على حافة ا لعدم...
فأين أكاذيبنا المبرأة؟.. وأين أسلحتنا القديمة؟.. وأين نحن، وماذا وأين؟
لقد أدخلنا دوستويفسكي في مفهوم المتعذر الحل في غيبيته الروائية، وأغنانا ليس باليقين ولكن بقلق لا ينتهي، على مشارف الانتظار وحدود الترقب.