في كتابه "سردُ الذاكرة .. سردُ الوعي:من سلطةُ التاريخ إلى فضاء المتخيل" يقدم الدكتور محمد صابر عبيد دراسة في المنجز الإبداعي لسلطان بن محمد القاسمي، يبدأ في تشكيل فضاءه الكتابي إلى تقديم مهاد نظري بعنوان "مدخل في المفهوم والمصطلح والدلالة" يوفر بحسب المؤلف عبيد فرصة نظرية لإدراك طبيعة المقاربة الإجرائية لمتن الكتاب ومفاصله وطبقاته، ومن ثم انتقل البحث إلى قراءة التفاصيل المتنية لكتاب "سرد الذات" بالتركيز على فعالية الراوي المهيمن وهو يدير دفّة السرد بسيولة ورشاقة، ماضياً في صناعة عتباته ورؤيته وأسلوبية تعبيره ضمن مناخ محدد ومرسوم بمهارة ودقة وحرفية، من أجل الوصول إلى الغايات المرسومة التي من أجلها تجلى سرد الذات على هذا النحو.

من هذه الإشارة إلى القيمة النوعية الأجناسية التي يتمتع بها كتاب القاسمي شرع المؤلف عبيد في مقاربة "سرد الذات" ابتداءً بالاشتغال ضمن الرؤية المنهجية العامة التي تحكم مسارات عمل هذا الكتاب والتي توزعت على أبواب وفصول، تستجيب كما يرى المؤلف لأحكام علاقة الراوي بمرويه وقد بلغت مرحلة التماهي إلى الحدّ الذي يدفع إلى وضعها في عنوان الكتاب، بوصفها مهيمنة فنية وجمالية وتقانية حفل بها كتاب "سرد الذات" على هذا النحو...

لا يكتفي الدكتور محمد صابر عبيد بدراسة منجز أدبي واحد للدكتور القاسمي، بل يحيط بجميع الأعمال الإبداعية للمؤلف بما فيها إنتاجه المسرحي المميز. والغاية تقديم وجهة نظر معينة تنهض على القراءة الحرّة التي تستجيب للمتعة والرؤية والفهم، والسعي إلى نقلها إلى التلقي بحسب قدرة الخطاب النقدي هنا على تبليغ ذلك على نحو من الأنحاء.

إلى ذلك، يعتبر مؤلف الكتاب أن الكتب الثلاثة التي أصدرها الدكتور سلطان بن محمد القاسمي حاكم الشارقة "حديث الذاكرة" بأجزائه الأول والثاني والثالث، وكتاب "حصاد السنين، ثلاثون عاماً من العمل الثقافي في الشارقة"، ومن قبلها كتابه السير ذاتي "سرد الذات"، وطبعاً مسرحياته ورواياته وكتبه التاريخية وغيرها، ليست كتباً عادية تُقرأ ويُتعرف على موضوعاتها كأية كتبٍ أخرى فحسب، بل هي كتب تنطوي في سياقٍ آخر على أهمية ثقافية عالية، إذا ما عرفنا –والكلام للدكتور عبيد – بأن المؤلف هو حاكم إمارة مهمة من الإمارات العربية المتحدة على الأصعدة كافة، بحيث ينبغي فيه قراءة شخصية السياسي في الثقافي، والثقافي في السياسي، فضلاً على كونه حاكماً منذ أكثر من أربعة عقود، وهي مرحلة زمنية شهدت الكثير جداً من الأحداث الكبيرة على الصعيد المحلي والعربي والإقليمي والدولي، على النحو الذي يمنح شخصيته عمقاً وخبرة ودراية ورؤية قد لا يمتلكها غيره في أيَ مكان آخر عربياً- وربما دولياً- وما كشفته هذه الكتب من إسهامات حقيقية في المجال العلمي والفني والثقافي والأدبي وعلى المستويات كافة.

يتألف هذا الكتاب من أربعة أبواب رئيسية جاءت تحت العناوين الآتية: الباب الأول: الرّاوي المتماهي مع مرويهِ، الباب الثاني: خطابُ الهوية: من منصة التاريخ إلى عتبة المسرح، الباب الثالث: سردنة التاريخ روائياً، الباب الرابع: سردُ الذاكرة: من فضاء التأمل إلى سلطة الوثيقة.