أي بُني، اعلم أن راحة الجسم في قلة الطعام، وراحة النفس في قلة الآثام، وراحة القلب في قلة الاهتمام، وراحة اللسان في قلة الكلام. واعلم أن للعلم مفاتيح، أولها حسن السؤال، وآخرها الصبر على الجواب. إياك أن تأمن مكر النفس، فإنك إن عُدِدت من العلماء، فلا تزال في أول السطر، فلا يغرنك ثناء الناس، فإن العلم بحرٌ لا تُدرك له غاية. وإن طُلِبَ إليك الرأيُ يومًا، فلا تبادر به عن جهل، ولا تتكلف فيه ما لا تعلم، فإن العلم صدق، والرأي أمانة. وإنّي ما كنتُ من المتعجّلين في القول، ولا من المتكلفين في التنبّؤ، بل أزن الكلمة بميزان العقل، وأجعل من العلوم حجّتي وسندي.
أوصيك يا بُنيّ بزَاد الفلسفة، فإنها قوت البصيرة، وبالاستنارة بالعلم، فإنه سراج العقل؛ من استجار بهما نجا، ومن أعرض عنهما ضلّ وتاه. فالزم موضع النظر، ولا تملّ من طلب الحق، ففيه صواب السبيل وسكينة النفس لمن أراد النجاة من غواية الدنيا.
يا بُنَيَّ إنَّ الموسيقى ليستْ أصواتًا تلهو بها، بل هي علم من علوم الحكمة والرياضيات، تسير وفق حساب محكم ونظام مضبوط. فالأوتار والنغمات تجري على قواعد العدد والتناسب، كما تسير الكواكب في أفلاكها. فلا تظنّنها لهوًا، بل هي غذاء للروح، وتهذيب للنفس، وتنقية للفكر، وسكون للقلب. فاستمع إلى الموسيقى تسكُن، وتأملها فتعقل، وتقوى بها نفسك وترتقي روحك. تعلّمها، تكن لك زادًا في العلم، وجسرًا إلى الفهم، ومقامًا عالياً في دنيا العارفين.
Share message here, إقرأ المزيد
الحراني