من أيّ وجهةٍ أكتبُ عن فاتن حمودي، وعن ديوانها الجديد "طائر في الجّهة الأخرى"، المفعم بالشفافية والوجع والفقد الأليم، وقد وصلت إلى محطة نضجها الفني الجمالي عبر مسيرتها الشعرية والنثرية والإعلامية، التي امتدت منذ مطلع تسعينيات القرن الماضي حتى الرّاهن المحتدم بالهوام والآلام، التي تثقل حياة السوريين بفداحةٍ مأساويةٍ غير مسبوقة، حتى انبثق بداية نور الأمل، بسقوط واحدٍ من أعتى الكوابيس في التاريخ السياسي العربي المظلم...
ديوان "طائر في الجهةِ الأخرى"، مميز عن سابقاته، بل أقول نقلة نوعية على مستوى كبير من النّضج.
تيمة الحرب والحب والغياب تلفّ الديوان بكثافة الغيوم و العبارة، وهي تلك المرأة الدمشقية الزائغة بجرح الغياب، تقول:" الهواءُ ملسوعٌ والبردُ يرتجفُ/ لستُ أنا التي تسيرُ في الطريق/ أمرأةٌ أخرى تُعِدُ النُّجومَ في لحظة/ قدماها في الرمل/ تخطفُ خطواتِ الرِّيح/ تُحصي الوجوهَ الغائبةِ/ كلُّ شيءٍ يتلاشى/ لا أرى الزَّمنَ و لا يراني أحدٌ/ ظلّي يسندُ الأبوابَ/ أمشي سربَ غرباء/ يشدّون حجارةَ العبث يضحكون يبكون يهرولون يقودون الفراغ/ لاشيءَ على حالِهِ/ أكادُ لا أرى شيئًا".
الديوان من الغنى و الثراء الروحي التعبيري، بحاجة الى قراءة متمعنة بعمق عبارته وفضائه المدهش، أعتقد أنه سيكون من أفضل ما ينشر في الفضاء العربي، والذي يأتي ثمرةً لمعاناةٍ كبيرةٍ مع الرؤى واللغة، والحياة، وخلاصة موفقة تعبيريًا و رؤيوياً.
فاتن حمودي واحدة من نماذج الصمود السوري الصلب، أمام الملمات والمحن الشخصية والعامة، كما عرفتها، وعرفها كثيرون.
Share message here, إقرأ المزيد
طائر في الجهة الأخرى