إنها حكايةُ الآلاف ممّن قضّوا في ذلك السجن الرهيب، وضاعت حكاياتُهم، كما ضاعت حقوقُهم، وضاعوا عن قلوبٍ ما زالت إلى هذه الساعة تنتظرهم.
هي حكايةٌ الآلاف من الناجين، وأنا واحدٌ منهم، ولعلَّ الكثير منهم لم ينْجُ بعد، وإنّ خرج بجسده من السجن حياً، لتكون زنزانته معه وقد صُلبتْ روحُه فيها، ولا أمل لديه بالإنفكاك عنها.
إنّها قصة آلاف الأمهات والزوجات والشقيقات والأبناء والبنات...
إنّها حكاياتٌ سيتناقلها الجيران همساً في الأماسي الحميمة، وهم يتذكرون عشرات الشباب والرجال الذين سِيقوا من بيوتهم ليلاً، إلى مصيرٍ مجهول.
إلى جميع الأصدقاء في رحلة العذاب تلك... إلى جميع الشركاء في تلك الملحمة التي لم تترك بيتاً سوريّاً إلّا اقتاتت من دمه:
ستفرّقنا الأيامُ والحوادث، لكنها وحدها قصةُ السجن الرهيب مَن تُوحّدنا، وكلما ندَّتْ عن أحدنا همسةٌ، أو نُقلتْ عنه حكايةٌ، في أيّ بقعةِ من الأرض الرحبة، تلقّفَتْها أرواحُنا جميعاً، فنحن شركاء الدم جميعاً، وأولُ مَن سيهتف بنداء الحرية، ويستجيب له.
هذه شهادتي غير موشّاةٍ ببديعِ البيان، ولا مزيدةِ بزيفِ الخيال، هي ما حصل معنا جميعاً، فمنّا من قضى، ومنّا من ينتظر، وحتى لا يُقتل القتيلُ مرتين، مرةٌ حين ذبحَتْه مِدْيةُ الجلاد، وأخرى حين نذبحُه بمبضعِ النسيان، حريٌّ بنا أن نشيدَ لكلِّ ضحيةٍ منهم نصبَ تقديرٍ وإجلالٍ في نفوسنا، كي يبقوا أحياء بيننا، تحدّثُنا حكاياتُهم دائماً أنهم لم يُنصَفوا بعد، وأنّ العدالة لم تأخذ مجراها كما نتمنّى.
Share message here, إقرأ المزيد
ناج من المقصلة : ثمانية أعوام في سجن تدمر