كتاب "الحركة النقديّة حول شعر غازي القصيبي" للدكتور فهد البقمي إضافة نوعيّة للمكتبة النقديّة العربيّة المعاصرة؛ لأنه من جهة يتصدّى لتجربة شعريّة شديدة الثراء على مستوى الرؤية والتشكيل الجمالي، تمثّل رافداً مهماً في مسيرة الشعريّة العربيّة المعاصرة. ومن جهة أخرى يؤسّس لمراجعة نقديّة للخطاب النقديّ الذي عُني بتجربة القصيبي الشعريّة، وهي مراجعة ضروريّة لنموّ العرفة النقديّة ذاتها؛ ولتطوير منهج الممارسة.
وقد بذل الباحث جهداً مشكوراً في استكشاف البيانات النقديّة التي تصدّت لتجربة القصيبي، وقام بتحديد ملامح تلك البينات، وفزز منجزها النقديّ ومرجعياته النظريّة من خلال رؤية تاريخيّة القراءة، وهو أمر في غاية الأهميّة للبحث العلمي الجاد الذي يهدف إلى تتبّع حركة الممارسة النقديّة وتحوّلاتها المنهجيّة.
واللافت للنظر أنّ الباحث جعل المناهج السياقيّة التي تدرس النصّ من الخارج قسيماً لما سمّاه المنهج الفنّي، وهذا التقسيم يحمل موقفاً نقديّاً مبطّناً من الباحث، وكأنّه يقول: إنّ الشعر لغة، وإنّ الوعي بالشّعر لا يتشكّل إلا من خلال الوعي باللّغة. وقدرة القصيبي لا تتأتّى إلاّ من خلال قدرته علّة تطويع هذه اللّغة لتجربته الشعريّة؛ فالنًصّ وثيقة جمالية بالدّرجة الأولى، وقيمة الشّعر ليس فيما يتصوّر من معاني، بل في طريقة تصويره لتلك المعاني.
وكشفت الدراسة عن أنّ الجميع - على اختلاف مرجعياتهم الفكريّة وأدواتها النقديّة - متّفقون على ثراء تجربة القصيبي الشعريّة، وتفرّدها. ومع كلّ ما قالوا يظلّ القصيبي منجماً للإبداع، وإثارة الأسئلة التي لا يستغني عنها الإبداع، ولا نقد الإبداع، ولا نقد النقد الذي يعيد فحص الأسئلة، ليضيف لها سؤاله الجديد.
Share message here, إقرأ المزيد
الحركة النقدية حول شعر غازي القصيبي